كشف مسؤول لبناني رفيع، الأربعاء، أن المبعوث الأميركي إلى بيروت، توم باراك، قدّم في حزيران الماضي ورقة سياسية من خمس صفحات تضمنت مقترحاً من ثلاث نقاط رئيسية، يأتي في مقدمتها الدعوة إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. ويأتي هذا المقترح في إطار مبادرة أميركية تهدف إلى تعزيز الاستقرار الداخلي وضبط الحدود اللبنانية، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية المتشابكة.
وأوضح المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، في حديث لوكالة “الأناضول”، أن المقترح لا يتضمّن مهلة زمنية ملزمة لتطبيق بنوده، إلا أن الحكومة اللبنانية تعمل حالياً على بلورة رد موحد يستند إلى خطاب القسم الرئاسي والبيان الوزاري لحكومة الرئيس جوزاف عون.
ويتكوّن المقترح الأميركي من ثلاثة عناوين أساسية:
_حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، شاملاً جميع الفصائل والتنظيمات المسلحة داخل الأراضي اللبنانية، بهدف توحيد القوة الشرعية في الدولة.
_إنجاز الإصلاحات المالية والاقتصادية، وضبط الحدود ومنع التهريب، مع تشديد الإجراءات في المرافئ والمعابر، وتعزيز الجباية الجمركية لتأمين الموارد.
_إعادة تنظيم العلاقة مع سوريا على المستويين السياسي والأمني، بما يشمل ترسيم الحدود، ضبط المعابر، وتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين.
وأكد المصدر أن بيروت “تتعامل مع المبادرة بإيجابية حذرة”، مشدداً على أن الحكومة اللبنانية “ستطالب مقابل أي التزام بوقف فوري للاعتداءات الإسرائيلية، وانسحاب كامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، وإطلاق مسار جدّي لإعادة إعمار الجنوب”.
وأشار المسؤول إلى أن “حزب الله” لم يقدّم بعد موقفاً رسمياً من بند حصر السلاح، مع توقعات بأن تكشف الأيام المقبلة ملامح رده، لا سيما مع عودة المبعوث الأميركي إلى بيروت الأسبوع المقبل لمواصلة المشاورات.
وكان “حزب الله” قد عبّر في مناسبات عدة عن رفضه تسليم سلاحه، مؤكداً أن أي نقاش بهذا الملف “يجب أن يتم ضمن رؤية سيادية شاملة تأخذ في الاعتبار العدوانية الإسرائيلية وموقع لبنان في معادلة الردع الإقليمية”.
يذكر أن باراك زار بيروت في 19 حزيران الماضي، والتقى خلالها الرئيس جوزاف عون وعدداً من المسؤولين اللبنانيين، وناقش معهم التطورات الإقليمية، لا سيما عقب التصعيد العسكري الأخير بين “حزب الله” وإسرائيل.
وبحسب بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية آنذاك، فقد تناول اللقاء “مسألة حصرية السلاح”، ونقل عن عون قوله إن “الاتصالات قائمة مع حزب الله والفصائل الفلسطينية في هذا الصدد”، معبّراً عن أمله في تكثيف هذه الاتصالات عقب استقرار الوضع في الجنوب، الذي تأثر بشدة نتيجة الحرب الإسرائيلية–الإيرانية التي اندلعت في أيلول العام الماضي.
كما تطرقت المباحثات إلى الملف السوري من زاويتين: الأولى تتعلق بموقف لبنان الداعي إلى تسريع عودة اللاجئين السوريين، والثانية ترتبط بالعلاقات الثنائية، لا سيما الحاجة إلى ترسيم الحدود البحرية والبرية، وضمان الاستقرار على الجبهة الشمالية.
وأكد البيان أن باراك أعرب عن دعم الولايات المتحدة للجيش اللبناني والإجراءات التي تتخذها الحكومة على المستويات الأمنية والاقتصادية والمالية، من دون أن يوضح ما إذا كان هذا الدعم مشروطاً بالاستجابة للمقترحات الأميركية.
وأضاف المبعوث الأميركي أنه قدم سلسلة اقتراحات تهدف إلى تعزيز الاستقرار الداخلي، وضمان الهدوء على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، والحدود الشرقية مع سوريا.
يأتي هذا المقترح في أعقاب الحرب الواسعة التي اندلعت بين “حزب الله” وإسرائيل في 23 أيلول 2024، والتي خلفت أكثر من 4 آلاف قتيل و17 ألف جريح، قبل إعلان وقف لإطلاق النار في 27 تشرين الثاني من العام نفسه.
وعلى الرغم من وقف القتال، لا تزال إسرائيل تحتل خمس تلال لبنانية في الجنوب، مما يعرقل التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن التهدئة. وتشدّد بيروت على أن أي مقاربة لملف “السلاح” لا يمكن أن تتم بمعزل عن الانسحاب الكامل واستعادة السيادة على كامل الأراضي اللبنانية.
منذ استقلال لبنان وسوريا عن الانتداب الفرنسي، ظل ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين أحد أبرز الملفات الشائكة، ما تسبب في توترات دبلوماسية دورية وفتح الباب أمام عمليات تهريب واسعة عبر المعابر غير الشرعية.
وبحسب مراقبين، فإن إدراج هذا الملف ضمن المقترح الأميركي يعكس توجهاً نحو “تنظيم العلاقة اللبنانية–السورية” برعاية غربية، بما يسهم في خفض التوترات، وتسهيل إعادة الإعمار، ومعالجة ملف اللاجئين الذي يشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد اللبناني.