نشر موقع “الجزيرة نت” تقريراً تحت عنوان: “السلطة مستعدة لإدارة غزة بعد الحرب.. فهل تستطيع؟”، وجاء فيه:
“وهم وسراب” كررها رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية 3 مرات في كلمة متلفزة الأربعاء، عندما تحدث عن ترتيبات في الأراضي الفلسطينية دون حماس وفصائل المقاومة.
ولا تكاد تغيب عبارات “تقوية السلطة الفلسطينية وإصلاحها لإدارة غزة بعد الحرب” عن تصريحات المسؤولين الأميركيين بمختلف المستويات منذ بدء العدوان على غزة في 7 تشرين الأول الماضي، بينما تقول السلطة إن ما يجب أن يكون بعد الحرب هو الحل الشامل.
والأربعاء، قالت الخارجية الأميركية إنه “يجب إصلاح وتنشيط السلطة الفلسطينية للمضي نحو إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة وحكمهما”.
وقال حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية بالسلطة -في تصريحات صحفية لدى سؤاله عن عودة السلطة إلى غزة- إن المطلوب أولا وقف الحرب، وبعدها “يجب أن يكون الحل شاملا بما يعنيه من إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية (..) فالحلول الجزئية لم يعد لها مكان، والحلول الأمنية والعسكرية ثبت فشلها”.
وعام 2007 سيطرت حماس على قطاع غزة بعد مواجهة مع السلطة في رام الله، ومنذ ذلك الحين يسود انقسام تدير فيه حماس قطاع غزة، بينما تدير حكومة شكلتها حركة فتح الضفة الغربية المحتلة.
رسائل من غزة
في أوج الحديث عن “ما بعد حماس” اليوم التالي للحرب، نشرت شرطة غزة أفرادها شمالي القطاع في اليوم الـ 69 للحرب، في خطوة يفهم منها أن قوة حماس وحكمها باقيان رغم الدمار، بالتزامن مع بيان للجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية في القطاع تبارك للحركة ذكرى انطلاقتها الـ36، وتستهجن “ما يخطط له البعض تحت مسمى اليوم التالي للحرب”.
وعلى مستوى الشارع الفلسطيني، أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية -ونشر نتائجه الأربعاء- أن غالبية فلسطينية (64%) تعارض مشاركة السلطة في لقاءات لبحث مستقبل القطاع، بينما قال 60% إنهم يفضلون سيطرة حماس على القطاع بعد الحرب، و7% فضلوا سيطرة السلطة بقيادة الرئيس محمود عباس.
وتوقع 72% نجاح حماس في العودة لحكم القطاع بعد الحرب، رغم نية إسرائيل المعلنة بالقضاء عليها، مقابل 23% لا يعتقدون ذلك.
وفي ضوء التباين بين الموقفين الفلسطيني والأميركي، والرفض الإسرائيلي لكل ما هو فلسطيني، تحدثت الجزيرة نت إلى 3 محللين عن إمكانية قبول السلطة بحكم غزة بعد الحرب وفرص تحقق ذلك فيما لو كانت موافقة.
إرادة إقليمية
الكاتب والمحلل السياسي نبهان خريشة لا يرى أن إصرار الولايات المتحدة على عودة السلطة الوطنية إلى قطاع غزة نابع من الإدارة الأميركية نفسها، رغم إعلانها غير مرة عن الحاجة لتجديد السلطة وقياداتها، بل يرى أن تلك الرغبة مصدرها “تحالفاتها الإقليمية وتحديدا مصر والسعودية والأردن والخليج، الذي يرفض استثناء السلطة من أي ترتيبات حتى لو كانت بوضعها الحالي ضعيفة تفتقر للشعبية”.
ووفق تقدير المحلل ذاته، فإن الضغط لعودة السلطة إلى غزة سيكون مرتبطا بإصلاحات كالانتخابات وخاصة الرئاسية والتشريعية، إضافة إلى انتخاب المجلس الثوري واللجنة المركزية لحركة فتح لتجديد القيادات.
ويرى خريشة أنه إذا وجد ضغط أميركي وأوروبي يمكن إجراء الانتخابات التشريعية التي تأجلت عام 2021 لعدم سماح إسرائيل بإجرائها في القدس المحتلة.
مع هذا، فقد قال خريشة إن سيناريو الانتخابات وعودة السلطة لغزة لن يكون دون إحداث تغيير في المنظومة السياسية الإسرائيلية، مرجحاً أن يدفع رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو وحزبه (الليكود) وشركاؤه المتطرفون فاتورة الحرب.
وتابع خريشة أن ما يحرك إسرائيل للحرب ليس شعار القضاء على حماس المعلن إنما “الانتقام والكُره والشعور بفقدان الأفضلية بالشرق الأوسط “، وبالتالي “ليس لدى إسرائيل ما تقوله اليوم التالي للحرب أو إستراتيجية للخروج من غزة”.
وأضاف: “بعد الحرب سينزل نتنياهو عن السلم، ويصعد نجم بني غانتس كصهيوني علماني غير مرتبط بالأحزاب الدينية، ولديه قابلية للأخذ والعطاء (مرونة في التفاوض) وقد يقدم تنازلات سياسية، لكن فتح مسار سياسي يحتاج عاماً على الأقل”.
كيان معترف به
تكرار الحديث الأميركي عن تأهيل السلطة وإعادتها إلى غزة مرتبط بإدراك العالم لأهمية وجود حل سياسي، والسلطة هي الجهة المعترف بها دوليا، وفق تقدير المحلل السياسي عزام أبو العدس.
ويضيف المحلل السياسي ذاته أن العالم بدأ يدرك أهمية إقامة دولة فلسطينية لحل الصراع، وهو الحل الوحيد المطروح الآن، والسلطة هي الجهة الفلسطينية الرسمية الوحيدة القائمة على الأرض والتي يمكن للعالم أن يتوجه إليها ويخاطبها.
ويتابع أبو العدس أن الاحتلال لا يريد أن يمكنها في غزة، وإذا رأى جدية في التوجه نحو الدولة الفلسطينية قد يلجأ إلى تفكيك السلطة وتقويض قوتها بالضفة، فالمزاج الإسرائيلي لا يريد أن يرى دولة فلسطينية لا قبل 7 تشرين الأول ولا بعده.
ويشير إلى أن السلطة لا تسيطر على الضفة الغربية، كما أن الاستطلاعات أظهرتها وحاضنتها حركة فتح في أدنى المستويات “بسبب الفشل السياسي والاقتصادي وانتشار الفساد”.
وعن احتمال قبول السلطة بعروض إعادتها إلى غزة، قال المتحدث ذاته: هي تقبل وتريد وبدأت تؤسس لذلك، لكن السؤال هل أخذت ضمانات؟
وأضاف أبو العدس أن الضفة الآن خارج سيطرة السلطة، وجيش الاحتلال يقوم بمهامه، ومنذ 3 أيام لم يغادر مخيم جنين، بينما عناصرها يغلقون على أنفسهم أبواب مقراتهم، فهل هذه السلطة قادرة على السيطرة على غزة؟
موانع السلطة
بدوره يرى الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي أن الشيء الوحيد الذي يمنع السلطة من التجاوب مع عروض إدارة غزة “ليس انعدام رغبتها، إنما واقع قطاع غزة والكارثة الإنسانية وما يترتب عليها من واجبات ومسؤوليات ضخمة”.
وأوضح أنّ ما يمنع السلطة أيضاً هو ما تتمتع به حماس من قوة هائلة، وأردف: “هذه الحرب مهما كانت نتيجتها فلن تكون القضاء على حماس أو تجريدها من قوتها العسكرية”.
ومع ذلك، يقول إن الحرب لم تضع أوزارها “ومن السابق لأوانه أن تعبر السلطة عن موافقة واضحة بخصوص قبولها الذهاب إلى غزة، وتتحدث عن حل سياسي أوسع من مجرد إدارة غزة”.
وعن دواعي الإصرار الأميركي على إعادتها رغم ضعفها، يقول عرابي إن الإدارة الأميركية تبحث عن مخرج سياسي لما يجري داخل قطاع غزة، “فهي أطلقت يد إسرائيل لتحقيق أهدافها المعلنة: القضاء على حماس واستعادة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، لكن الآن وبعد 70 يوما من الحرب يبدو للإدارة الأميركية أن إسرائيل غير قادرة على تحقيق هذه الأهداف”.
وتابع أن المضي أكثر في هذه الحرب دون اتضاح أفق لتحقيق هذه الأهداف “من شأنه أن يوسع المواجهة إلى حرب إقليمية، ويمس صورة الولايات المتحدة دوليا، وبالتالي فإن الإدارة الأميركية قد تكون وصلت إلى قناعة بأن الاستمرار في الحرب مغامرة لم تعد مضمونة أو محسوبة”.
ووفق عرابي، فإن أميركا ترى أن الزمن قد نفد بالنسبة لإسرائيل “لذا تقوم بعمليات استطلاع سياسي لمحاولة تحقيق إنجازات سياسية لم تحققها الحرب، ومنها إيجاد واقع أمني جديد أو إدارة جديدة داخل قطاع غزة، وهنا يتجدد الحديث عن السلطة كطرف أول يتبادر إلى الذهن مع أنه مرفوض إسرائيليا، وإعادة تأهيلها.
(الجزيرة نت)