لم تقتصر نهاية الهدنة امس على غزة بل طاول سقوطها أيضا الجنوب اللبناني. استعاد الخط الأزرق على امتداد الحدود المواجهات الحادة خصوصا منذ بعد ظهر امس ايذانًا بربط واضح متجدد للوضع على الحدود الجنوبية بالوضع في غزة الامر الذي اثار مجددا التساؤلات الواسعة مقرونة بقلق متعاظم حيال اخطار مرحلة ما بعد الهدنة علما ان هذه الهدنة سرت على الجبهة الجنوبية دون ان تبن علني بذلك لا من قبل إسرائيل ولا من جانب “حزب الله”، ومع ذلك فان نهايتها في غزة حيث استأنفت إسرائيل هجماتها المدمرة امس سرعان ما اشعل المواجهات جنوبا بما يثير الكثير من المحاذير الخطيرة حيال هذا الربط القسري ويشرع الساحة الجنوبية وعبرها لبنان بأسرها مجددا لشتى الاحتمالات الخطرة.
على وقع عودة ألمواجهات جنوبا التي دأبت فرنسا على اطلاق التحذيرات من خطورة تشكيلها مؤشرا لانزلاق لبنان الى حرب ، انهى الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان زيارته لبيروت وعاد الى باريس فيما سارعت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الى تكرار تحذيراتها من أنّ “أي خطأ في الحسابات يُمكن أن يجر لبنان إلى تصعيد يتجاوز جنوبه” وقالت في تصريح امس : “الوضع بين لبنان وإسرائيل أخطر مما كان عام 2006”.
ووفق معلومات “النهار” ترك لودريان للرسائل الثلاث التي أودعها المسؤولين والقوى السياسية المتصلة بالملف الرئاسي والوضع في الجنوب والتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون ان تتفاعل عقب زيارته ايذاناً بعودته مجددا الى بيروت كما ثبت ، وفيما ان البعض يسوق لفكرة ان ازمة غزة يمكن ان تدفع بانتخاب رئيس للجمهورية الى امد غير محدد ، ابلغ لودريان من يعنيهم الامر “ان الامر معاكس وان الازمة تحتم ضرورة طارئة وملحة في انتخاب رئيس اذ ان الوقت يلعب ضد لبنان “. وبدا واضحا ان هذا الموقف لا يعكس رأي فرنسا فحسب بل ان لودريان بمروره في قطر ثم في المملكة العربية السعودية فانه عبر في بيروت عن موقف المجموعة الخماسية “على قاعدة ان الجميع على صفحة واحدة او موقف واحد من هذه الرسائل الثلاث وهذه النقطة هي من ضمن الرسائل المضمرة اي توافق دول الخماسية وعدم وجود اي ثغر او تمايزات بينهم”. ومن الرسائل المضمرة عبر الرسائل العناوين الاساسية في موضوع ضبط النفس في الجنوب كان لودريان حاسما في “ان فرنسا متمسكة بتنفيذ القرار 1701 خصوصا انها ساهمت في انجازه وهي شريكة في تطبيقه وستكون مشجعة لوضعه موضع التنفيذ اذ ربما تكون فرصة راهنا لذلك” .
اما في موضوع ضرورة التمديد لقائد الجيش والذي كان سببا للقاء مختصر جدا مع رئيس التيار العوني جبران باسيل انطلاقا من اعتبار لودريان ان باسيل هو من يقود رفض التمديد لاستمرار قائد الجيش في منصبه ما سبب خلافا قويا بينهما ، فان لودريان لم يشعر على اثر الخلاف ان هناك اي فائدة من استمرار اللقاء مع باسيل علما ان موقف لودريان من التمديد للعماد جوزف عون مبني على اقتناع بشقين: “الاول ان هناك قائدا للجيش تنتهي ولايته في 10 كانون الثاني ولا وجود لرئيس للجمهورية من اجل تعيين قائد جديد فضلا عن ان هناك سوابق في التمديد لقائد الجيش. وهذا ليس دفاعا عن الشخص بل هو دفاع عن الموقع . والشق الثاني مبني على قاعدة انه بمقدار ما ان استمرار وجود قائد اصيل في قيادة الجيش مهم لامن اللبنانيين ، اذ لا يمكن تخيل بلد من دون قائد للجيش وفي بلد مأزوم كلبنان، فهي مسألة امنية في ظل وجود جنود فرنسيين من ضمن القوة الدولية العاملة في الجنوب والتنسيق او التعاون بينهم وبين الجيش .وتاليا فان تغييرا مفاجئا من دون خلف واضح في القيادة يثير اسئلة جدية لدى باريس”.
وكتبت” الاخبار”: فرضت زيارة لودريان نفسها على المشهد الداخلي، وهو ما أسهم في تعديل بعض المواقف السياسية من مسألة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون. فالرجل الذي أتى حاملاً «توصية» من اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان (أميركا، السعودية، فرنسا، قطر ومصر) تُشدد على ضرورة السير بالأمر منعاً للفراغ في المؤسسة العسكرية وللضرورات التي يفرضها الوضع الأمني في المنطقة، وأدّى هذا الموقف إلى قلب التموضعات وخلق معطيات جديدة عقّدت في وضع الصيَغ التي كانت مطروحة للحل.
تقول المعلومات إنه قبلَ يوميْن من زيارة لودريان، صارَ هناك شبه قناعة لدى القوى الممثّلة في الحكومة بأن تعيين رئيس أركان أصيل ينوب عن قائد الجيش هو الحل الأمثل لتفادي الأزمة، وذلك بعد استنفاد كل السبل للتوصل إلى اتفاق حول تعيين قائد جديد أو التمديد للقائد الحالي. إلا أن لودريان أبلغ من التقاهم بضرورة التمديد، ما جعل الذين أعلنوا سابقاً تأييدهم للفكرة مثل ««القوات اللبنانية» أكثر اندفاعاً للفكرة، أما الذين التزموا التروّي في حسم موقفهم، ومنهم النواب السُّنّة فقد تشجّعوا بعد كلام لودريان وأيّدوا، بحسب مصادر مطّلعة قالت إن «مردّ ذلك سببه تأكيد لودريان أن التمديد هو خيار يؤيّده أعضاء اللجنة، بمن فيهم المملكة السعودية».
وبما أن التمديد من داخل الحكومة طريق غير متوافر، عاد الحديث عن اللجوء إلى مجلس النواب، وتتجه الأنظار إلى رئيس المجلس نبيه برّي وما إذا كان سيدعو إلى جلسة تشريعية بجدول أعمال كامل في النصف الأول من شهر كانون الأول، على أن يكون اقتراح القانون بالتمديد لقائد الجيش مطروحاً عليه.
ويقول مطّلعون على الأجواء إن «بري كان قد وعد المطالبين بجلسة قبل أسبوعين بالدعوة إليها نهاية الشهر، وهذا ما سيحصل». لكنّ الدعوة سبقتها تطورات متمثّلة بحسب مصادر سياسية في أن ««القوات اللبنانية استجابت لطلب لودريان بعدم ممانعة جلسة بجدول أعمال عادي على عكس ما طالبت به سابقاً بحصر جدول أعمال الجلسة ببند وحيد هو التمديد، وكذلك سيفعل معظم النواب السُّنة».
وقالت مصادر نيابية إن «التمديد عبر اقتراح قانون ليس تعديلاً دستورياً ولا انتخابات، وبالتالي يتم التعامل معه كأي قانون يحتاج إلى حضور 65 نائباً، ولكي يصبح نافذاً يحتاج إلى 33 صوتاً»، معتبرة أنه وفقاً لحسابات المعارضين والمؤيّدين فإن «تأمين حضور الـ 65 نائباً لن يكون صعباً». واستندت المصادر إلى «مقاطعة كل من التيار الوطني الحر وحزب الله وحلفائه، مقابل حضور القوى المؤيّدة للتمديد ومعها الحزب الاشتراكي»، أما حركة أمل فـ «تُراوِح التقديرات بين المعلومات التي تحدّثت عن أن بري أكّد رغبته في أن يكون متجانساً مع الحزب في هذا الأمر وهو يُمكن أن يترأّس الجلسة من دون حضور كتلة التنمية والتحرير، وما بينَ التحليلات التي تعتبر أن الجلسة تُشكّل بالنسبة إلى رئيس المجلس إغراء لكسر قاعدة مقاطعة التشريع في ظل الفراغ الرئاسي وإعادة تفعيل عمل المجلس».
وكتبت” نداء الوطن”: عكس الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان قبل مغادرته لبنان أمس دقة الظروف الأمنية في الجنوب، فلفت الى أنّ الوضع على هذا المستوى هو في «حالة طوارئ» الأمر الذي دفع الرئيس إيمانويل ماكرون الى ايفاده الى بيروت. وقال: «أرسلني الرئيس ماكرون في مهمة كوسيط وليس كبديل، والوسيط يعني أن أجعل اللبنانيين يحاولون معاً الخروج من هذا المأزق، لأنّ العلاقات الداخلية مجمّدة بشكل كبير والوضع المقلق المستجد بعد مواجهات غزّة يحضنا على الإسراع في المسعى للخروج من المأزق».
ونقلت «البناء» عن مصادر واكبت زيارة لودريان أن الأخير جاء لهدفين: الأول الضغط على الحكومة والمسؤولين اللبنانيين بضرورة تجنب التصعيد على الحدود الجنوبية وإقناع حزب الله بضرورة تفادي توسّع الحرب. والهدف الثاني هو تذكير اللبنانيين بأن فرنسا لم تنس لبنان ولا زالت حاضرة، وفي طريقه الى بيروت حمل لودريان مطلباً أميركياً لحث المسؤولين على التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون. إلا أن مصادر «البناء» أوضحت أن المخارج القانونية والدستورية للتمديد والتعيين لا زالت حتى الساعة مقفلة، ما يرجّح خيار تعيين رئيس للأركان ينوب عن قائد الجيش وفق ما ينصّ قانون الدفاع، أو تكليف الضابط الأعلى رتبة في الجيش اللبناني وليس في المجلس العسكري، وهو العميد زياد هيكل.
وكتبت” اللواء”: اعتبرت اوساط سياسية بارزة ان الاوضاع في غزة جمدت الملف الرئاسي بشكل كبير واقفلت كل الابواب التي كانت ستسهل انتخاب رئيس للجمهورية. وقصارى القول، ان ما يحصل في غزة زاد من عمق الاصطفاف بين المعارضة والممانعة حيث ان قبل حصول عملية طوفان الاقصى كانت معظم القوى اللبنانية تراهن على حصول تسوية اقليمية تنعكس ايجابا على لبنان منها ايصال رئيس الى قصر بعبدا.
اما اليوم، ومع دخول حزب الله في المعركة فقد تعقد المشهد وفقا لهذه الاوساط السياسية خاصة من ناحية حزب الله وتيار المردة والتيار الوطني الحر بتغيير التعامل مع فرنسا نظرا لانحياز الاخيرة لـ«اسرائيل» في العدوان على غزة. وعليه، رأت الاوساط السياسية ان حزب الله اليوم لن يتجاوب بمرونة مع اي طرح فرنسي ولن يرض بتاتا بوصول رئيس للجمهورية يكون بعيدا عن المقاومة مع اتضاح التوجهات الغربية بالضغط ومحاصرة محور المقاومة الذي يشكل الحزب ركيزة اساسية فيه. وانطلاقا من هذه الاجواء الاوروبية والاميركية المنحازة لـ «اسرائيل»، سيتشدد حزب الله اكثر من اي وقت مضى على التمسك بمرشحه سليمان فرنجية ولن يقبل بأقل من فرنجية رئيسا.