كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
بالتواتر دعت كل دول أوروبا والولايات المتحدة وأفريقيا ودول الخليج والمملكة العربية السعودية وصولا إلى باكستان واليابان رعاياها لمغادرة لبنان فورا عقب اغتيال الرجل الثاني في حزب الله فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي في حركة حماس اسماعيل هنية في إيران. وجاءت خطوة سحب الأمم عائلات كل موظفيها لتكرس مبدأ تفريغ لبنان من كل الرعايا الأجانب في حين أعلنت السويد عن إغلاق سفارتها في بيروت.
من أصر على البقاء في لبنان فذلك على مسؤوليته الشخصية بحسب بيان الدول لكن في حال اندلاع الحرب الشاملة ثمة توصيات أرسلتها سفارات الدول لرعاياها بهدف اتباعها لتأمين الخروج الآمن من لبنان.
وحدهم النازحون السوريون من المقيمين على الأراضي اللبنانية بطريقة شرعية او غير شرعية لم تشملهم الدعوة ولم تسأل عنهم حكومة النظام ولا حتى الأمم المتحدة. وهذا ما يفسر ربما تعليق النائب ميشال ضاهر على منصة “إكس” حيث كتب التالي: “تدّعي الدول والمنظمات الدولية بأن بقاء النازحين في لبنان ضرورة نظرًا للخطر الامني الذي يهددهم في سوريا. أما الآن وقد أصبح لبنان غير آمن وكل تلك الدول تدعو رعاياها لمغادرته فلماذا لا تحافظ على أمن النازحين وتعيدهم الى بلادهم أو فلتستقبلهم الدول الخائفة على أمنهم”.
سؤال يُطرح في ظل التهديدات الإسرائيلية والإيرانية بالرد عبر أذرعها في المنطقة وتحديدا حزب الله على اغتيال هنية وشكر.فهل يكون سيناريو ترحيل الرعايا مجرد تحذير ويندرج ربما من ضمن خطة الترهيب والحرب النفسية على لبنان؟ وبالتالي أي سيناريو يُكتب للبنان بالإبقاء على النازحين في بلد غير آمن ؟.
السفير السابق رياض طبارة يلفت عبر “المركزية” إلى أن عملية سحب الرعايا تحصل بشكل روتيني في كل مرة تلتمس الحكومات في العالم بوجود خطر على رعاياها في مطلق أي دولة تشهد نزاعات عسكرية. ويشير إلى أن هذه الخطوة تعرف عادة بـ”الوقاية الزائدة” كما تتضمن البيانات تحذيرا من المجيء إلى البلد موضوع النزاع. لكن هذا لا يعني أن الحرب واقعة حتما “.
آخر البيانات التحذيرية بعد دولتي اليابان وباكستان صدرت عن الأمم المتحدة حيث طلبت سحب عائلات موظفيها المقيمة في لبنان. وفعلتها. لكنها لم تتطرق إلى مسألة النازحين السوريين .
“هذا الأمر لا يدخل في نطاق عمل منظمة الأمم المتحدة إذ أن عملية الإجلاء تأتي بطلب من الدول فقط فهي وحدها المخولة بسحب رعاياها في حين تنحصر مسؤولية الأمم المتحدة بسحب موظفيها أو عائلاتهم كما حصل منذ أيام.ويضيف” إلا أن السؤال الأهم والملح: لماذا لا تطلب الدولة السورية سحب رعاياها والنازحين وإعادتهم إلى سوريا بسبب الوضع الأمني الخطير في لبنان؟”.
الأكيد أن الوضع اللبناني كشف نوايا النظام السوري بإبقاء النازحين في لبنان. وفي السياق يقول السفير طبارة” من الواضح أن المسألة ترتبط بالأمم المتحدة التي وضعت شروطا لعودة النازحين إلى سوريا وأولها أن تكون عودة آمنة وطوعية.وحتى الآن لا يبدو أن هناك أرقاما واضحة عن أعداد النازحين الراغبين بالعودة طوعا إلى سوريا.
وفي ما يتعلق بالدولة السورية يلفت إلى أن أبرز أهدافها في الإبقاء على النازحين السوريين في لبنان هو تحقيق خطة التوازن الديمغرافي على الأراضي السورية. أضف إلى ذلك أن هناك عدداً لا يستهان به من النازحين المعارضين للنظام وهؤلاء حتما لن يعودوا إلى سوريا، عدا عن الذين تهدمت بيوتهم ولا يوجد أي ملاذ آمن يأويهم مع عائلاتهم التي تضاعف عددها أكثر من مرتين منذ بداية النزوح عام 2011 حتى اليوم بسبب الولادات”.
تعددت الحجج والنتيجة واحدة. تفريغ لبنان من كل الرعايا الأجانب والعرب مع الإبقاء حصرا على النازحين السوريين. وفي هذه الحال يضيف طبارة “يمكن أن تُقدِم الدولة اللبنانية على خطوة فاعلة من شأنها تحريك ملف النازحين السوريين في هذه المرحلة الدقيقة والمفصلية التي تسيطر على لبنان والمنطقة ككل. وتتمثل بالطلب من السفارات الأجنبية العاملة في لبنان التوجه إلى حكومات الدول تقليص المساعدات العينية والمعنوية والمادية للنازحين مما سيلزم عددا كبيرا منهم العودة إلى سوريا او البحث عن وطن ثالث”.
مما لا شك فيه أن الخطوات الديبلوماسية التي قامت بها الدول تجاه رعاياها أكثر من طبيعية، إنطلاقا من حرصها على أمن مواطنيها علما أن تداعياتها على لبنان كانت كارثية لا سيما على الموسم السياحي الذي أطفئت أنواره بعدما كانت تتلألأ في عز موسم الصيف. لكن الشك الأبرز يتمثل في عدم طلب النظام السوري من رعاياه وتحديدا النازحين العودة إلى بلادهم مما يؤكد على ما أسره أحد الديبلوماسيين حيث قال “أخشى ما أخشاه أن يكون النظام السوري اليوم في وضع ترتيب الخارطة الديمغرافية النهائية لسوريا في ضوء عدم إعادة النازحين. وبذلك يكون وضع لبنان في موقف مأزوم لأن الخيارات تنحسر بين إثنين: فإما أن يُصار إلى ترسيم خارطة ديمغرافية جديدة في ضوء إبقاء النازحين بحجة عدم الإستقرار الأمني في سوريا ووجود عدد لا يستهان به من المعارضين، وبالتالي توطينهم.وعليه نكون أمام تغيير ديمغرافي خطير في لبنان. وهذا ما يجب أن تتنبه إليه الحكومة اللبنانية، والأهم أن تعمل الأحزاب والقوى المعارضة في لبنان على مواجهته منذ اللحظة ، وإلا فإن لبنان الكبير الذي ولد عام 1920 لن يبقى على ما هو عليه ما بعد بعد حرب غزة”.