كتبت سلوى بعلبكي في ” النهار”: يدرك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي صعوبة الأوضاع المعيشية الصعبة للموظفين الذين ذابت رواتبهم نتيجة التضخم وغلاء المعيشة وارتفاع الضرائب، لذا يعكف مع المعنيين في الدولة على إيجاد صيغة لزيادة الرواتب في القطاع العام بحيث تأخذ في الاعتبار إيرادات الدولة وعدم تأثير الزيادة على استقرار سعر الصرف.
فخلال الأسبوع الماضي عُقد في السرايا الحكومية اجتماعان برئاسة ميقاتي شارك فيهما وزير المالية يوسف الخليل، والأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، ورئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي، والمدير العام لوزارة المال الدكتور جورج معراوي، والمدير التنفيذي في مصرف لبنان الدكتور مكرم بو نصار، ومديرة الصرفيات في وزارة المال رانيا دياب ومدير الواردات لوي الحج شحادة، خُصصاً للبحث في أوضاع الموظفين وتعديل الرواتب والأجور.
خلال الاجتماعين (حضر الاجتماع الثاني، مستشارا الرئيس ميقاتي الوزير السابق نقولا نحاس والدكتور سمير الضاهر) عرضت أفكار عدة لتحسين الرواتب والأجور، من بينها خيار يطبّق بعد أشهر ويقضي بإعطاء شهرين إضافيين بدءاً من تشرين الاول 2024، وشهر أو شهرين إضافيين مع بداية عام 2025، أي أن يحصل موظفو القطاع العام والعسكريون والمتقاعدون كافة على 4 رواتب إضافية، استناداً الى الراتب الشهري في عام 2019. ومع بداية سنة 2025، يتقاضى الموظفون في القطاع العام 13 ضعفاً على رواتبهم التي كانت محققة في 2019 بدلاً من 9 رواتب إضافية حالياً، فيما تبقى بدلات النقل والمثابرة دون تعديل.
وتؤكد مصادر متابعة لـ”النهار” أحقية مطالب الموظفين والعسكريين والمتقاعدين، و”لكن لا يمكن تلبيتها دفعة واحدة. فعلى الرغم من الارتفاع الملحوظ لإيرادات الخزينة، بقيت أقل مما كان يمكن تحقيقه بسبب اندلاع الحرب في الجنوب. فكم بلغت إيرادات الخزينة؟ تؤكد مصادر معنية أن الإيرادات بلغت في النصف الأول من عام 2024 ما يوازي نحو 1.85 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل الى ما يوازي نحو 3.8 مليارات دولار “فريش” مع نهاية السنة الجارية.
أما الرواتب والاجور وملحقاتها التي تُدفع للقطاع العام فتبلغ قيمتها ما يوازي نحو 120 مليون دولار شهرياً (1.44 مليار دولار سنوياً) أي نحو 37% من مجموع إيرادات الخزينة السنوية. وفي حال إقرار الزيادة سترتفع الكلفة الشهرية للرواتب والاجور (على مراحل) لتصل الى 155 مليون دولار شهرياً في بداية سنة 2025، أي بزيادة 35 مليون دولار شهرياً. فهل يمكن للخرينة تحمل ذلك؟
تجيب المصادر عينها أنه “يمكن تحمّل هذه الكلفة ولكن “كحد أقصى” خصوصاً في ظل عدم الاستقرار السياسي والامني ولا سيما في الجنوب. وهذه الزيادات تستند الى توقع ارتفاع الإيرادات في 2025 الى نحو 5 مليارات دولار في 2025. وهذا الأمر ممكن في حال حصول انتخاب رئيس للجمهورية، وإقرار جزئي لبعض الإصلاحات المطلوبة، وإطلاق خطة التعافي وإعادة أموال المودعين ولو بالتقسيط على بضع سنوات”.
وبالعودة الى الاجتماع الاخير، استكملت رئيسة مجلس الخدمة المدنية عرض الخطة التي أعدها مجلس الخدمة المدنية بالتنسيق مع المعنيين في الإدارات لتعديل الرواتب والاجور التي تلحظ “تصحيحاً للرواتب والاجور على مراحل تصل الى أربع سنوات، آخذين في الاعتبار التضخم الكبير الذي حصل في الأعوام الأخيرة. الخطة تضمن إصلاحات عدة، لا سيما إصلاح نظام التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة، ورفع سن التقاعد، وغيرها”.
واعتبرت المصادر أنّ “الخطة جيدة ومدروسة، ولكن تطبيقها يتطلب قانوناً يصدر عن مجلس النواب بعد اقتراحه من الحكومة. ولحظت الخطة إعطاء موظفي القطاع العام كافة نحو 20 ضعف رواتبهم في 2019 كمرحلة أولى، على أن ترتفع بمعدل 8 رواتب سنوياً لتصل الى 46 ضعف راتب 2019 بعد أربع سنوات. وقد أبدى رئيس الحكومة نيته عرض الخطة على مجلس الوزراء وتبنيها في حال الموافقة، ليتم إرسالها الى مجلس النواب كاقتراح قانون من الحكومة. وعلم أنه لحين إقرار القانون ستعمد الحكومة الى درس إقرار زيادة ثلاثة أو أربعة أضعاف رواتب 2019 لجميع موظفي القطاع العام والمتقاعدين.
وكان ثمة إجماع على أحقية الزيادة من ناحية، وعلى ضرورة أن لا تؤدي الزيادة الى تضخم وارتفاع في سعر الصرف، وهذا ما أكده ممثل مصرف لبنان خلال الاجتماع، إذ شدد على أحقية الزيادة، ولكن أكد أهمية تمويل أي زيادة من إيرادات الخزينة لأن مصرف لبنان توقف منذ سنة عن تمويل الحكومة، مشيراً الى أن ثمة نفقات متنوعة على الخزينة تمويلها غير الرواتب والاجور مثل النفقات على الصحة والادوية والتعليم والطاقة وغيرها.
وتحدث عن أهمية استمرار الاستقرار النقدي الذي أسهم في تأمين الحد الادنى من الاستقرار الاجتماعي، حيث نجح مصرف لبنان والحاكم بالانابة في تثبيت هذا الاستقرار وتعزيز الاحتياطي من العملات الاجنبية لتصل الى 10 مليارات دولار. ولفت الى أن عدم الاستقرار في الجنوب والضرر الكبير الذي تعرض له أهل الجنوب واحتمال توسع العدوان الاسرائيلي على لبنان قد يتطلب نفقات إضافية غير مرصودة في الموازنة، وتالياً لا بد من أخذ ذلك في الاعتبار.
من جهتهم، أشار ممثلو وزارة المال الى ضرورة إصلاح نظام التقاعد وتعويض نهاية الخدمة الذي تدنت قيمته كثيراً بسبب الازمة المالية والاقتصادية وانهيار قيمة العملة اللبنانية، وقدموا بعض الاقتراحات العملية لتحسين الجباية وزيادة إيرادات الخزينة.
يتألف القطاع العام من نحو 340 ألف موظف، ثلثهم عسكريون في الخدمة الفعلية، وثلثهم تقريباً متقاعدون والثلث الاخير يمثل موظفي المؤسسات العامة والإدارات العامة، والبلديات، وموظفي وأساتذة وزارة التربية والمتعاقدين فيها (نحو 60 ألفاً)، والجامعة اللبنانية والمستشفيات الحكومية وأوجيرو، مع الاشارة الى أن عدد موظفي الادارة العامة نحو 10 آلاف موظف فقط. وفيما تعتبر المصادر أن إعطاء زيادة لـ340 ألف موظف يتطلب دراسة متأنية كي لا يكون لها مردود سلبي اقتصادياً، يأمل المعنيون من الموظفين كافة تفهم قدرات الدولة المحدودة بعدما انخفضت إيرادات الخزينة نحو 70% مقارنة بعام 2019، إذ بلغت الايرادات 12 مليار دولار في 2019 مقارنة بنحو 3.8 مليارات دولار متوقعة في 2024.