في ظل استمرار المعركة العسكرية في جنوب لبنان بين “حزب الله” واسرائيل وبالتوازي مع زيادة التصعيد الخطابي والاعلامي بين الطرفين، وامكانية توسع المعركة نحو حرب شاملة، يبقى الثابت الوحيد أنه بعد كل هذا الضجيج في لبنان والمنطقة، بات الذهاب إلى تسوية شاملة وطويلة الأمد امرا حتميا ولا يمكن تجاوزه عند الحديث عن المرحلة المقبلة في الداخل اللبناني.
وعليه فإن هذه التسوية المرتقبة والتي ستسير بالتوازي مع تسويات مماثلة في اكثر من دولة محيطة، سترسم معادلات سياسية وتوازنات جديدة ستبقى سائدة للسنوات المقبلة.
منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005 أخذ الانقسام السياسي طابعاً حاداً واستمر لسنوات طويلة من دون تعديل في موازين القوى وفي التموضعات السياسية، لكن بالرغم من كل ذلك لم يكن لهذا الانقسام شكل طائفي إسلامي مسيحي، وحتى أن الاشتباك السياسي ذو الطابع السني-الشيعي كان يكسره التنوع داخل كل فريق ووجود قوى سنية وشيعية، وإن كانت محدودة التمثيل الشعبي، وعليه فإن ما حصل في السنوات الماضية بقي خلافاً سياسياً ولم يؤد الى استعادة الخلاف التقليدي الذي ساد في الحرب الاهلية.
ساهم التحالف والتفاهم بين “التيار الوطني الحر” الذي انسحب من “قوى الرابع عشر من اذار” انذاك، وبين “حزب الله” في إنهاء إحتمالات تحويل الخلاف الى طائفي، لكن في الاشهر الاخيرة وتحديداً بعد الانتخابات النيابية عام 2022 إرتفع منسوب الخلاف بين ميرنا الشالوحي وحارة حريك وحصل الطلاق شبه الكامل، الامر الذي حوّل معظم القوى المسيحية لتكون في الخندق المعادي للحزب، وما زاد الامر سوءاً هو كل ما حصل في المراحل الاخيرة، وتحديداً منذ الثورة الشعبية التي أيدها جزء كبير من المسيحيين وصولا الى انفجار المرفأ الذي حُمل “حزب الله” مسؤوليته إعلامياً.
لكن التحول الكبير حصل خلال معركة “طوفان الاقصى” اذ تجذر الخلاف المسيحي مع “حزب الله” بعد فتحه لجبهة لبنان. في المقابل حصل تأييد واسع له من قبل الشارع السني نظراً لطبيعة المعركة وإرتباطها بفلسطين وبقطاع غزة، الامر الذي بدأ يحول الخلاف السياسي الداخلي الى خلاف اسلامي-مسيحي، وحتى القوى الدرزية بات موقفها قريباً من موقف الحزب في القضايا الاستراتيجية، وعليه باتت للانقسام المسيحي الاسلامي جذور عميقة لا يمكن تجاوزها بسهولة، كما ان تبعاته قد تكون سلبية وكبيرة.
وبحسب مصادر سياسية مطلعة فإنه حتى في القضايا الداخلية يبدو سهلاً، أو متوقعاً أن يتمكن “الثنائي الشيعي” من اقناع عدد من النواب السنّة، اضافة إلى نواب “اللقاء الديمقراطي” بدعم ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للرئاسة، وذلك ضمن مقايضة او تسوية معينة، وعندها سيصبح جزء كبير من النواب المسلمين مؤيدين لفرنجية في مقابل رفض مسيحي شبه كامل له. كل هذا المشهد يعيد الى الذاكرة الانقسام اللبناني التقليدي الذي تخطاه البلد لعدة سنوات، فهل بات حتمياً ان تترافق التسوية المقبلة بتوازناتها الجديدة مع انقسام اسلامي – مسيحي؟
ترى المصادر أن الحلول الممكنة تتمثل بعودة التفاهم بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، او عقد تسوية سياسية جدية بين “قوى الثامن من اذار” من جهة وحزب “القوات اللبنانية” من جهة ثانية وعندها ستكون مشاركة القوى المسيحية في السلطة خلال المرحلة المقبلة مستندة إلى تفاهمات سياسية ما يخفف من حدة الخلاف ويخرجه من طابعه الطائفي، وهذا ما قد يساعد على اتمامه التقارب الداخلي – الداخلي وعدم انتظار المبادرات الخارجية التي ستكون مهتمة بطبيعة التسوية اكثر من القوى التي ستشارك فيها او ستكون راضية عليها.