“التفلت حصل على مساحة لبنان بفعل وجود اكثر من 1230 مقلعا وكسارة معظمها غير شرعي تعمل من دون ضوابط ومعايير محددة”. بالفم الملآن قالتها لجنة البيئة النيابية في إحدى آخر جلساتها: لا سلطة للدولة على هذا القطاع الذي يضرب أي هيبة لها عرض الحائط. فهو المشوّه الأول للبيئة، وأحد أبرز مزاريب هدر مداخيل الخزينة، في حين أنه حاجة تحوّلت إلى آفة بفعل غطاءات سياسية كشفت عورة النظام اللبناني المتهالك. فما هو الأثر البيئي للمقالع والكسارات؟
واقع مرير
“منذ بداياته في لبنان، وقطاع المقالع والكسارات يعمل بشكل عشوائي وغير مراعٍ للشروط البيئية، وحتى اليوم ما من كسارات تستوفي هذه الشروط”. بهذه الكلمات اختصر الخبير البيئي دوميط كامل الواقع المرير الذي تعيشه البيئة ومعها صحة الإنسان، بسبب هذا القطاع.
وقال كامل في حديث لـ”لبنان 24″ إنه عبر السنوات، “شاهدنا كيف دمّرت المقالع والكسارات مناطق عدّة، وهدفها تشويه المنظر الخلابة، فضلاً عن إزالة الغابات وترك الصخور والنفايات التي تنتج عنها بشكل عشوائي”.
وأضاف: “يتم تدمير الجبال والمناطق الزراعية ومساكن مواطنين كثر، فضلاً عن استخدام الديناميت لتفجير الصخور بكميات ضخمة جداً ما أثر بشكل خطير جداً على المياه الجوفية ومجاري المياه والينابيع، وعلى مناطق بيئية كثيرة في لبنان، حتى أن بعض التفجيرات كانت تسجّل هزّات أرضية بدرجة 3.5 درجات في المركز الوطني للجيوفيزياء في بحنس التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية”.
وأشار كامل إلى أن “غياب استراتيجية تعالج ملف المقالع والكسارات أمر خطير، إذ أن النافذين يعملون بكسّاراتهم أو مراملهم أينما أرادوا وفي أي منطقة اختاروها من دون تبنّيهم الشروط اللازمة”.
وشدد على أن “الدولة لم تضع أي شرط علمي ولم تحدد الأثر البيئي للكسارات والمقالع، خاصة وأن هناك مئات الأماكن في لبنان التي تحتاج إلى كسارات لتصحيحها وتحويلها من مناطق مدمّرة إلى مناطق مهمّة جداً”.
وفي هذا الإطار، أوضح كامل أن الكسارات في لبنان “هي حاجة وطنية عليها أن تستخدم لحماية البيئة. إلا أن واقعها اليوم أليم وسيء جداً ومضرّ بالبيئة وبصحة المواطنين”.
فبين تلوث الهواء والمياه الجوفية التي تؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان، تتوسع هوّة الأضرار التي تشكّلها المقالع والكسارات على البيئة والصحة، فتشمل إنهيارات التربة والأراضي والقضاء على النظام الإيكولوجي والتنوع البيولوجي، علاوة على الهزات الأرضية الناتجة عن التفجيرات وبالتالي تزعزع المنازل وتشقق خزانات الباطون لتجميع مياه وهدرها.
وهنا تحدّث كامل عن فوائد المقالع والكسارات، قائلاً إنه “على اوتوستراد بيروت- البقاع يوجد ما يقارب حمولة أكثر من 50 شاحنة على الطريق بسبب عدم وجود مكان آخر لها، فضلاً عن أن الردميات ترمى عشوائياً من دون أي معالجة”.
وقال إن الكسارات توضع في مكان يستوعب كل هذه الكمية كي لا يتم رميها في الوديان او الغابات، التي يتمّ شق طرقات فيها بشكل عشوائي ما يؤدي إلى تدميرها، بينما البلدان المتقدمة تستخدم الردم بطريقة صديقة للبيئة”.
وأضاف: “باستطاعتنا إنشاء شبكة أنفاق، الأمر الذي نحن بحاجة ماسة إليه في لبنان، بشكل أن تستلم كل كسارة نفقاً لإزالة ما بداخله”، إلا أن الخطأ هنا يطال السلطة وأصحاب الكسارات في الوقت عينه.
ومن هذا المنطلق، دعا كامل لـ”ضرورة تصحيح وضع المقالع التي تدمرت سابقاً من خلال العمل على تعزيز دورها البيئي مجدداً عبر زراعتها ووضع كميات من الردميات والنفايات التي تتحول إلى مواد عضوية فيها”.
وفي أمر يشكل باباً من أبواب السرقة، كشف كامل أنه من كل مقلع، يتم استيفاء رسم مقطوع شهري بغض النظر عن الكمية التي يتم استخراجها بسبب انعدام الرقابة والمحاسبة”، مشدداً على أن أرض لبنان بيعت إلى الأبد ولا يمكن استردادها.
وحذر من أن أهم الغابات في لبنان على طريق الدمار بسبب الرغبة المستمرة بإنشاء كسارات، لافتاً إلى أنه في منطقة الجديدة في المتن الشمالي يتم ردم النفايات والردميات في “جبل” يبلغ ارتفاعه 35 متراً، وأكد أن هذه المنطقة ستشهد أشدّ الأمراض”.
خسائر مادية
ولأن “الغبن” الذي يعكسه هذا القطاع على الدولة لا يمكن إخفاؤه، أقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع وزارة البيئة دراسة عن التحديات البيئية والخسائر الاقتصادية بسبب سوء إدارة قطاع المقالع في لبنان.
فبعد سنوات من الاستثمار والاستخراج غير الشرعي للسلع العامة، خلصت الدراسة إلى أنه “بإدارة أفضل ومطوّرة، من الممكن أن يؤمّن هذا القطاع فرصة لتحقيق إيرادات تمسّ الحاجة إليها لدعم تعافي البلد الاقتصادي”.
وتبيّن بحسب الدراسة أنّ مستحقات هذا القطاع للخزينة لا تقلّ عن 2,39 مليار دولار أميركي، لا تزال غير مدفوعة حتى الساعة، مع الإشارة إلى أنها استندت الى مسح أجراه الجيش وشمل أكثر من 1,230 مقلعاً “تمثّل حالات قصوى من التدهور البيئي، اتّسمت بتغييرات مهمة في شكل الأرض، إضافة إلى الضرر على الأنظمة الايكولوجية، تلويث الموارد المائية، كما والممارسات غير المستدامة لاستخراج الموارد”، بحسب الدراسة.
هي إذاً “طبخة بحص” سيستمر الشعب اللبناني بابتلاعها مرغماً، طالما أن المقالع والكسارات غير الشرعية تسرح وتمرح من دون أي حسيب ولا رقيب.