ما يقوم به كل من رئيس “اللقاء الديمقراطي” النائب تيمور جنبلاط ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل من تحرّك رئاسي سيفضي إلى نتيجة واحدة لا ثاني أو ثالث لها. وهذه النتيجة – الخلاصة ستفرض نفسها على الجميع عاجلًا أم آجلًا، على الفريق “الممانع” المتمسك بترشيح رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، أو على الفريق “المعارض” الرافض جزئيًا أو كليًا مبدأ ترؤس رئيس مجلس النواب نبيه بري بصفته رئيسًا لحركة “أمل” جلسات الحوار، التي ستسبق الجلسات الرئاسية المفتوحة وبدورات متتالية حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
إلّا أن هذه النتيجة المتفَق عليها نظريًا لا تزال تحتاج إلى المزيد من الوقت لكي تصبح واقعًا لا بدّ منه لكي يفسح في المجال أمام الجميع ليتمكنوا من النزول عن شجراتهم، والتخّلص من أسر أنفسهم داخل اقفاص مواقفهم المتشنجة، بعد أن يقتنعوا بأن المكابرة لن توصل إلى أي حل، الذي يحتاج في نهاية المطاف إلى تنازلات متبادلة من الجميع من دون استثناء.
وإذا لم يقتنع جميع الأطراف، “ممانعين” و”معارضين” بأن التوافق هو النتيجة الحتمية للخروج من عنق زجاجة الأزمات المتراكمة والمستعصية، فإن كل هذا الحراك السياسي لن يؤدي إلى أي مكان، مع استمرار تمترس كل فريق وراء أكياس متاريس مواقفه المتصلبة وغير القابلة لأي نقاش.
فلا الرئيس بري سيتخّلى عن موقفه القائم على فرضية تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية إن لم تسبق عملية الانتخاب جلسات حوارية يدعو إليها شخصيًا ويترأسها بصفته المجلسية، فيما تصرّ “المعارضة”، وعلى رأسها “القوات اللبنانية”، على تطبيق الدستور، نصًّا وروحًا، من دون أي اجتهادات، مع رفضها اشتراط إلزامية إقامة أي حوار لإتمام العملية الانتخابية، وذلك خشية أن يصبح هذا الأمر عرفًا قد يصبح أقوى من النصّ الدستوري، خصوصًا أن نغمة تأجيل الاستحقاق الرئاسي قد أصبحت “موضة دارجة” بالنسبة إلى البعض، الذي يسعى بحسب رأي “القوات”، إلى الانقلاب على الطائف.
وتقول أوساط سياسية متابعة في هذا المجال إنه كان على فرنجية أن يعلن انسحابه من المعركة الرئاسية بدلًا من أن يكرّس ثنائية رئاسية محصورة بينه وبين رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع باعتبار أن هذا الطرح يعقدّ الأمور أكثر من تسهيلها، خصوصًا أن المسار الانحداري للتفاعل السلبي للشغور الرئاسي يؤثّر على عمل كل السلطات الأخرى تعطيلًا وتسويفًا واهتراء. وهذا ما بدأت مفاعليه السلبية تظهر على الحياة اليومية لجميع اللبنانيين المكتوين بنار الغلاء المستشري، والذي يطال كل السلع التي يحتاجون إليها كأساسيات لتأمين مستلزمات العيش بحدوده الدنيا.
فما سمعه كل من النائبين باسيل وجنبلاط، ومعهما وفود من “التيار الوطني الحر” و”اللقاء الديمقراطي” من تطمينات مباشرة من الرئيس بري بالنسبة إلى الضمانات الخاصة بالجلسات المفتوحة وبدورات متتالية لم يُقنع “القوات اللبنانية”، التي بقيت عند موقفها المبدئي، والداعي إلى التقيّد بالنصّ الدستوري، الذي لا لبس فيه بما خصّ العملية الانتخابية.
فهل يمكن أن يدعو الرئيس بري إلى جلسة حوارية يشارك فيها المقتنعون بما قد تحقّقه من تفاهمات رئاسية، ويقاطعها غير المقتنعين بجدواها، وهم يرون أنه ما دام “الفريق الممانع” ذاهبًا إلى هذا الحوار بمرشحّ واحد ووحيد، وهو غير مستعد لمناقشة خياره الأوحد، وعدم قبوله بمنطق التنازل عنه، مقابل تنازل “الفريق المعارض” عن مرشحه، الوزير السابق جهاد ازعور، والقبول بمرشح ثالث لا يشكّل أي تحدٍّ لأي مكّون من المكّونات اللبنانية؟
وفي رأي بعض المقربين من “معراب” أن الوصول إلى هذه النتيجة لا يحتاج إلى أي حوار على غرار ذاك الذي يطالب به “الثنائي الشيعي” لغايات في نفس يعقوب، بل جلّ ما تحتاج إليه هو الدعوة إلى جلسة انتخابية لا ضير بأن يتخللها تشاور ثنائي أو ثلاثي، وبالأخصّ إذا تبيّن أن لا مرشح من المرشحين قادر على الحصول على 65 صوتًا، فيتمّ حينذاك اللجوء إلى فرضية انسحاب المرشحين الأقّل حظًا لمصلحة الأكثر حظًّا. وهذا ما يمكن تسميته نوعًا من التوافق الضمني تمهيدًا لانتخاب الشخصية، التي تلقى اجماعًا نيابيًا أكثر من غيرهما من بين المرشحين الطبيعيين والمحتملين. وهكذا يكون الحلّ التشاوري هو الأمثل في العملية الانتخابية الديمقراطية من دون الإطاحة بالدستور وتجاوز نصوصه