استنفر لبنان الرسمي والشعبي في مواجهة ملف النزوح السوري وانتفضت الحكومة مدعومة من مختلف القوى السياسية والحزبية بوجه هذه المعضلة بحثا عن حلول مستدامة تخفف عن لبنان وطأة الاعداد الكبيرة للنازحين على أراضيه.ورغم كل الاجراءات المتخذة على الارض من قبل الاجهزة الامنية وبتوصيات من وزارة الداخلية، يبقى السلاح الدبلوماسي الانجع والاقوى بالنسبة للدولة اللبنانية، نظرا لتأثيراته على المواقف الدولية التي لا زالت مصرة على ابقاء النازحين في لبنان. وفي هذا السياق يأتي مؤتمر بروكسل لدعم سوريا والجوار في نسخته الثامنة ليُشكل نقطة تحول في مقاربة ملف النزوح بين لبنان الرسمي والمجتمع الدولي وتحديدا الاوروبي.
اعتادت وزارة الخارجية على حضور المؤتمرات السابقة وتتحضر اليوم لتمثيل لبنان في المؤتمر حيث يرأس الوزير عبدالله بو حبيب الوفد الرسمي الى بروكسل والذي يضم مستشار الرئيس نجيب ميقاتي زياد ميقاتي ومستشارة وزارة الخارجيّة والمغتربين فرح الخطيب ومدير مكتب الوزير وليد حيدر، اضافة الى السفير اللبناني هناك فادي حاج علي. وخلافا لما يتم ترويجه عن تخفيض مستوى تمثيل لبنان في المؤتمر، يتبين أن وزارة الخارجية هي التي كانت تحضر عبر وزير الخارجية المؤتمرات طيلة السنوات الماضية، وبالتالي لم يتغير أي شيء عليها بل يعمل الوزير بو حبيب وبتوصيات من الرئيس نجيب ميقاتي على تعزيز الموقف اللبناني في النسخة الثامنة لهذا المؤتمر، بعد أن رفع الجميع الصوت عاليا مناديا بايجاد حل جذري للنازحين في لبنان.
التصويب اليوم على البعثة من باب “مستوى التمثيل” يُعدّ برأي أوساط مطلعة “حرتقة” من قبل بعض الاطراف المتضررة أو التي تسعى الى التضييق على وفد الخارجية في اطار حملة مُبرمجة الغرض منها التعتيم على الانتفاضة اللبنانية الرسمية على ملف بحجم النزوح السوري، مشيرة الى أن بو حبيب كان سبق أن حذر في اكثر من مؤتمر أو في خلال لقاءاته مع المسؤولين الغربيين من تداعيات النزوح السوري على لبنان ودول الجوار وتحديدا الاوروبية، وهو دعا في المؤتمر السابق “الدول المانحة ومنظمات الأمم المتحدّة إلى حوار بناء وصريح في موضوع النازحين السوريين والمساعدة في استعادة قدرة لبنان على الاستجابة بفعالية لحاجات كل من مواطنيه والنازحين السوريين”. كل هذه المواقف التي عبَّرت عنها الخارجية اللبنانية على لسان رئيس دبلوماسيتها تعكس أولوية حل عقدة النزوح من بابها الدبلوماسي الواسع، في حين يرغب بعض الاطراف باتباع سياسة القصف على الدبلوماسية اللبنانية لرغبات ترتبط بالزواريب السياسية الضيقة.في المقابل، يشدد أكثر من طرف على اطلاع بما يجري على الارض، على ضرورة الوقوف خلف الدبلوماسية اللبنانية ودعمها في مؤتمر بروكسل في نسخته الثامنة لمواجهة الحملات الغربية الشرسة التي تسعى الى ابقاء النازحين وتعمل على تضييق الخناق على الدولة لاخضاعها لأجنداتها الخاصة المرتبطة بعمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبقراراتها التي باتت أقوى من الدولة اللبنانية.
وعلى عكس السنوات السابقة، ثمة أمل كبير بإمكانية التغيير على المستوى الدبلوماسي اللبناني في مؤتمر بروكسل الثامن والمطلوب بالدرجة الاولى الوقوف خلف وفد الخارجية اللبنانية وتأكيد وحدة الموقف اللبناني بما ينسجم مع تطلعات الحكومة والقوى السياسية على مختلف انتماءاتها الحزبية والتي وقفت خلف التدابير التي اتخذتها وزارة الداخلية والامن العام وأثمرت توقيف مئات السوريين غير الشرعيين وأربكت النازحين في أكثر من منطقة.هذه الوحدة في الموقف مطلوبة اليوم خلف الدبلوماسية اللبنانية في مؤتمر بروكسل، وعوض بثّ الاخبار المضلّلة والمرتبطة بشكل الوفد الرسمي وتوجيه سهام التخوين ورمي الاتهامات بصورة عشوائية ضد الدبلوماسية اللبنانية الساعية الى تدوير الزوايا بما يخدم المصلحة العامة، كان الاجدى بالبعض دعم وزير الخارجية عبدالله بوحبيب في مهمّته الاستثنائية هذه المرة والتي تتطلب من الجميع مقاربة الملف من الوجهة الوطنية لا السياسية، وتوجيه السهام نحو الهدف الذي يُعيق الحل المستدام لأزمة النزوح وهو بعيد عن قصر بسترس آلاف الأميال. فلماذا يريد البعض تحويل عبدالله بو حبيب الى مكسر عصا لهذا الطرف أو ذاك فيما أثبت الرجل براعته في المهنة التي مارسها لعقود؟
(المصدر :lebanon files)