تطرقت تقارير إسرائيلية عديدة إلى الواقع الحالي للمستوطنات عند الحدود الشمالية لـفلسطين المحتلة، فأشارت إلى أنها تحولت في الأشهر الأخيرة إلى إحدى أكثر المناطق خطورة في “إسرائيل”، إذ لحق بها ضرر هائل أصاب نحو 500 منزل، وبنى تحتية مختلفة.
ووفق التقارير، لحقت بمستوطنات الشمال أضرار طالت المصالح الاقتصادية التي تعطلت بشكل شبه تام، فتوقفت نشاطات السكان الزراعية والتجارية هناك.
وأمام هذا الواقع، حذر رؤساء السلطات المحلية في مستوطنات الشمال من أن العديد من المستوطنين تركوا منازلهم بشكل نهائي، وبدأوا حياة جديدة في أمكنة مختلفة.
وسلطت التقارير الإسرائيلية أيضاً الضوء على خطر إضافي يحدق بالمستوطنين في شمال “إسرائيل”، هو المواد الخطرة الموجودة في مدينة حيفا، والتي سبق وأن كانت موضع سجالات كثيرة سابقاً.
ولم يسلم “الجيش” الإسرائيلي من الانتقادات على خلفية انتشاره داخل المستوطنات، لا سيما بسبب قراره إخراج جنوده من المستوطنات، إذ لا يمكن أبداً، وفقاً لمستوطنين، أن “يتواجد الجيش الإسرائيلي في الجبهة الداخلية، والسكان في الجبهة الأمامية”.
وإسوة بالانتقادت التي وُجهت لـ”الجيش” الإسرائيلي، وجهت أيضاً انتقادات قاسية للحكومة الإسرائيلية ورئيسها، الذي لا يملك، لا هو ولا الكابينت، بحسب مستوطنين، أجوبة لمشاكل مستوطني الشمال.
كتب تومر ألمغور، في موقع القناة 12، أن التهديد على المستوطنين موجود خلف “الجدار الحدودي”، فالمستوطنون تم إخلاؤهم، والجنود الذين يتواجدون في المنطقة يركضون خوفاً من منزل لآخر، كي لا ينكشفوا بأقل قدر ممكن أمام القرى اللبنانية.
ووفقاً لوزارة “الأمن” الإسرائيلية، تضرر 427 منزلاً في مستوطنات الشمال، من بينها نحو 80 منزلاً تعرضت لإصابات مباشرة، حتى الأول من شهر شباط/فبراير الحالي.
ومن بين هذه المستوطنات، تعرض 130 منزلاً في المطلة من أصل 650 منزلاً، إلى أضرار متفاوتة، من بينها 8 دُمرت تدميراً كاملاً، بحسب رئيس المجلس المحلي فيها، دافيد أزولاي.
وتحدثت مديرة أعمال مستوطنة المنارة، أورلي إسحاق، لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، عن الخسائر التي أصابت مستوطنتها، وقالت إن المنارة تحوي 155 منزلاً فقط، تضرر منها 103 منازل خلال الحرب، كما تضررت أيضاً البنى تحتية والطرقات في جميع أنحائها.
ودُمر الصرف الصحي، بما تسبب بخطر صحي واسع النطاق، كما أصيبت شبكات الكهرباء والغاز بأضرار، وهذه أضرار اقتصادية هائلة، تُضاف إلى ملايين الشواكل التي خسرها القطاع الزراعي – الفواكه الموسمية وتربية الدواجن.
وإضافة إلى ذلك، أفاد الكاتب في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، يائير كراوس، أن المشكلة الإضافية في المنازل التي تضررت، أنها باتت “مهجورة ومفتوحة”، بحيث أن السارقين يأتون إلى المنازل المخلاة، لينهبوها، كما في الحروب السابقة.
ولهذه الغاية، يقول رئيس السلطة المحلية في “كريات شمونة”، أفيحاي شطرن، أنه استعان بشركة حراسة لحماية المنازل الفارغة، وتوجه إلى كل الوزارات، لكن لا توجد أي جهة مستعدة لتمويل هذه التكاليف.
وحذر رؤساء السلطات المحلية في الشمال من أن الواقع الحالي دفع بالعديد من المستوطنين في الشمال إلى ترك منازلهم، بشكل نهائي، وبدأوا حياة جديدة في أمكنة مختلفة.
وفي هذا السياق، قال رئيس منتدى خط المواجهة ورئيس مجلس “ماطه إيشر”، موشيه دفيدوفيتش، إن 80 ألف مستوطن باتوا خارج منازلهم، منذ نحو 4 أشهر، ويعيشون في غرف مكتظة، من دون أمل، فحاضرهم تعيس، ومستقبلهم غامض.
وأضاف دفيدوفيتش، أن جزءاً بارزاً من المستوطنين لن يعود إلى الشمال، حتى لو حصل حل استثنائي للوضع، إذ أنّ استطلاعاً جرى مؤخراً، بين أن أكثر من 20 % منهم يفكرون بعدم العودة نهائياً، حتى لو توقفت الحرب.
بدوره، قال رئيس المجلس المحلي في المطلة، دافيد أزولاي، لـ”القناة 12” الإسرائيلية، إنه يوجد عائلات خسرناها للأبد، “فأنا شخصياً أعرفُ 9 عائلات نزحت من منازلها، وهربت، ويوجد عائلات غرست جذورها في بلدة أخرى، ولن تغادرها”.
وفي تقرير أعدته حول الأمر، وصفت “القناة 13” الإسرائيلية حال المستوطنات، ولفتت إلى أنه في “كريات شمونة”، المدينة الكبيرة، الشوارع تظهر خالية تماماً، من دون سيارات أو ناس، والبيوت مهجورة تماماً، ولا يوجد أعمال.
ونقلت القناة عن أحد سكان “كريات شمونة”، قوله إن “كل شيء هنا مغلق، ومن بقي هنا هم فقط أشخاص ضروريون، كنجمة داوود الحمراء (المسعفون)، الإطفاء، وعناصر الشرطة”.
وفي إشارة إضافية إلى استمرار الوضع الحالي الذي يعيشه مستوطنو الشمال، قدرت قيادة الجبهة الداخلية في “الجيش” الإسرائيلي أن العام الدراسي الحالي لآلاف الطلاب الذين تم إجلاؤهم مع عائلاتهم من الشمال، لن يعودوا إلى مدارسهم الأساسية، بل سيكملون العام الدراسي في الأماكن التي نزحوا إليها.
وسلّطت قناة “كان” الإسرائيلية الضوء على خطر إضافي يحدق بالمستوطنين في شمال “إسرائيل”، ولهذه الغاية أجرت القناة مقابلة مع رئيسة السلطة المحلية في حيفا، عينات روتم، التي قالت إنها “توجَّهت إلى وزير الأمن، يوآف غالانت، وطلبت منه إخراج المواد الخطيرة من المدينة، فأجابها أنه سيدرس الموضوع، لأنه غير مطّلع عليه”.
وأضافت أنها خرجت من الاجتماع معه “قلقة”، لا سيما أنها، بحسبها، منذ بداية الحرب، أي منذ 4 أشهر، وهي تحاور بشكل قاس قيادة الجبهة الداخلية في “الجيش” الإسرائيلي حول الموضوع، من دون جدوى.
مضيفةً أنّه لا يوجد خطة إخلاء للمدينة، فـ”إسرائيل” أخلت بصعوبة عشرات الآلاف من الشمال، فكيف سيكون الحال مع مئات الآلاف من المستوطنين (يبلغ عدد سكان مدينة حيفا نحو 300 ألف نسمة، إضافة إلى 300 ألف آخرين في الضواحي المحيطة بها).
وأكدت روتم أن مدينة حيفا يجب أن تكون إما مدينة للمواد الخطرة والبتروكيميائيات أو مدينة للبشر، وعلى “إسرائيل” أن تقرر. ولفتت روتم إلى أنها حين سمعت غالانت يتحدث عن بيروت وحيفا، هذا لم يجعلها مطمئنة أبداً، بل على العكس، زاد قلقها.
وأضافت أنها قالت لغالانت مباشرة إن “هذه الحرب بدأت مع فشل خطير، ولا أريد التفكير أنها ستنتهي مع فشل أكبر”.
ونشر مراسل الشؤون السياسية في “القناة 12″، عميت سيغل، معطيات بارزة عن الوضع “السيء” الذي يعيشه جنود وضباط الاحتياط في “الجيش” الإسرائيلي، ومنهم على سبيل المثال جنود “السرية ب في الكتيبة 8207 التابعة للواء الناحال الشمالي”، الذين نشروا دعوة لتحصيل تبرعات لصالحهم، كي يتمكنوا “من أداء مهمتهم بأفضل طريقة ممكنة”، وفقاً لتعبيرهم.
وبرز أيضاً في الانتقادات التي يوجهها رؤساء سلطات محلية ومستوطنون لـ”الجيش” الإسرائيلي وأدائه، ما قاله رئيس المجلس الإقليمي في الجليل الأعلى، غيورا زالتس، لإذاعة “الجيش” الإسرائيلي، بأن “وجود الجنود داخل المستوطنات يمنح حزب الله شرعية إطلاق النار عليهم”.
وأضاف أنه منذ الأسبوع الأول، يعتني المستوطنون بالجنود ويقدمون لهم الطعام، لكن الآن “يجب على الجيش تنظيم نفسه وإيجاد الحلول المناسبة”.
بدوره، انتقد رئيس المجلس المحلي في المطلة، دافيد أزولاي، عدم دفع “الجيش” الإسرائيلي فواتير الكهرباء عن المنازل التي يستخدمها جنوده منذ بداية القتال، وقال إنه منذ 4 أشهر يناضل بين شركة الكهرباء ووزارة الأمن، اللتين يوجد بينهما الآن حرب في الشمال حول الفواتير.
وكما تعرض “الجيش” الإسرائيلي لانتقادات لانتشاره داخل المستوطنات، تعرض أيضا لانتقادات، وبشكل أكثر حدة، بسبب قراره إخراج جنوده من المستوطنات، إذ وفقاً لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، تفاجأ رؤساء سلطات محلية ومستوطنون في المستوطنات الحدودية مع لبنان بقرار “الجيش” الإسرائيلي تخفيض عديد القوات المقاتلة من داخل المستوطنات، فردوا بغضب.
وقال رئيس المجلس المحلي في مستوطنة “شلومي”، غابي نعمان، إن “لتخفيف الجنود معنى واحد بنظرنا – هو التخلّي عن السكان”. وأضاف نعمان، أن “هذا القرار يفتقر لأيّ اعتبار أمن، فواجب الجنود التواجد هنا داخل المستوطنات بأعداد كبيرة – لحراستنا”.
ووجه رئيس مجلس “موشاف مرغليوت” في الجليل الأعلى، إيتان دافيدي، انتقادات أقسى لـ”الجيش” الإسرائيلي، وقال إن “مهمة الجيش الإسرائيلي تقتضي التواجد على الجبهة الأمامية، في حين يتواجد السكان في الجبهة الداخلية. ولا يمكن أبداً أن يتواجد الجيش الإسرائيلي في الجبهة الداخلية، والسكان في الجبهة الأمامية”.
وأضاف دافيدي أنّ هذا القرار هو “دليل عجز الإدارة هنا في الشمال. ففي المرحلة الأولى خفنا من حزب الله، وأخلينا المستوطنات من ساكنيها، والآن نخاف من حزب الله، فنخلي المستوطنات من الجنود”.
وبدوره أعرب رئيس مجلس “ماروم هجليل”، عميت سوفر عن استيائه من الأمر، وقال: “نحن نشعر بفجوة آخذة بالاتساع من الشعور بفقدان الأمن الذي ينبغي أن توفره الحكومة لكلّ مستوطنات الشمال”.
ووُجهت أيضاً انتقادات قاسية للحكومة الإسرائيلية، حيث قال رئيس المجلس المحلي في المطلة، دافيد أزولاي، أنه لم يسمع من عضو كابينت الحرب، بني غانتس، الذي زار المنطقة، أي شيء خاص للأسف، كما لم يسمع من أي أحد (في الحكومة) شيئاً في الأشهر الأربعة الأخيرة، فهم يقولون إنّهم يتحضرون ويحضرون ويستعدون، و”هذا الاستعداد لا يساعد”.
وأضاف أزولاي، أن ” إسرائيل صماء وخرساء، ووزارات الداخلية والنقب والجليل، والداخلية والسياحة – وكل البقية اختفت”.
بدوره، قال رئيس مجلس “ماطه إيشر”، موشيه دفيدوفيتش، إن “رئيس الحكومة لا يتحدث عن الشمال، لأنه ليس لديه أجوبة، لا هو ولا الكابينت، الذي زرناه قبل أسبوع، ولم تكن عنده أجوبة”.
ونقلت “القناة 13” الإسرائيلية، كلاماً لأحد المستوطنين في “كريات شمونة”، قال فيه: “نحن نازحون، ونعيش منذ 4 أشهر في واقع غير طبيعي، في حالة عدم يقين كبيرة، بينما رئيس الحكومة يعقد مؤتمرات صحافية، ولا يذكر فيها سكان الشمال، ولو لمرة واحدة.
وتابع أنّ “كابنيت الحرب لا يشعر بنا ولا يعرف أنه يوجد حرب هنا، وكل من يقول إن هذا قتال بوتيرة منخفضة، هو ببساطة غير مرتبط بالواقع”.