جاء مقتل 21 جنديا إسرائيليا في غزة هذا الأسبوع أثناء تعرضهم للهجوم أثناء تفجير مبنيين ليتضمن “كشفا غير متوقع” أن الجيش كان يمضي قدما في خطة مثيرة للجدل لإنشاء “منطقة عازلة” على طول حدوده مع غزة عن طريق هدم المباني في المنطقة، بينما تكشف وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي أسباب إنشاء تلك المنطقة.
وبينما طرح المسؤولون الإسرائيليون الفكرة في مناسبات عديدة، كانت تصريحات الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، أول تأكيد علني على أن الاستراتيجية “قيد التنفيذ”، وفق تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.
وقال اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكوس، الزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي حتى وقت سابق من هذا الشهر: “إنها إحدى الجهود الإضافية التي يتم تنفيذها بعد 7 تشرين الأول”.
ويعمل الجيش الإسرائيلي على إنشاء منطقة عازلة داخل غزة، ويهدم المباني القريبة من الحدود على الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة ضد أي تقليص طويل المدى لأراضي القطاع، وفق تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية.
وتعارض الولايات المتحدة صراحة إنشاء منطقة عازلة، قائلة إنه لا ينبغي أن يكون هناك تغيير دائم في الأراضي الفلسطينية.
والثلاثاء، أكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، معارضة الولايات المتحدة أي تغيير لمساحة قطاع غزة.
وجاء موقف بلينكن في معرض تعليقه، خلال زيارة إلى نيجيريا، على معلومات بشأن سعي إسرائيل لإقامة منطقة عازلة داخل قطاع غزة، وفق وكالة “فرانس برس”.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إن “تدمير منازل ومزارع المدنيين يمكن أن يرقى إلى مستوى جرائم حرب”.
ماذا قالت إسرائيل؟
أعلن الجيش الإسرائيلي أن 21 “من قوات الاحتياط” قتلوا، الإثنين، في انفجار قذيفة صاروخية من نوع “آر بي جي” استهدفت دبابة كانت متوقفة أمام مبنيين كان الجيش قد فخّخهما تمهيدا لهدمهما في جنوب قطاع غزة.
وقال الجيش الإسرائيلي إن الجنود الذين قُتلوا الإثنين بالقرب من مدينة خان يونس كانوا جزءا من طاقم الهدم الذي أصيب بقذيفة صاروخية، مما أدى إلى انفجار المتفجرات وهدم المبنيين فوقهما.
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، في تصريح صحفي متلفز إن الجنود الاحتياطيين قتلوا في انفجار صاروخ “آر بي جي” استهدف دبابة ومبنى فخخه الجيش تمهيدا لهدمه في جنوب قطاع غزة.
وأشار هاغاري إلى أن القوات الاسرائيلية كانت تعمل على “تدمير مبان وبنى تحتية ارهابية على بعد 600 متر من الحدود” بين غزة وإسرائيل”.
وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن “القوات كانت تقوم بإزالة المباني والبنية التحتية الإرهابية، من أجل تهيئة الظروف الأمنية لعودة سكان الجنوب إلى منازلهم”.
وفي سياق متصل، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، إن الجنود قتلوا “في المنطقة العازلة بين المجتمعات الإسرائيلية وغزة”.
وقبل 7 تشرين الأول، فرض حرس الحدود الإسرائيلي منطقة عازلة بمساحة 300 متر تقريبا حول طول السياج البالغ طوله 36 ميلا، على الرغم من أنه كان بإمكان الفلسطينيين الزراعة في المنطقة.
وقال شخص مطلع على الأمر لـ”فايننشال تايمز”، إن الهدف هو “الحفاظ على هذه المنطقة نظيفة تماما من أي إرهابيين أو بنية تحتية أو قاذفات صواريخ أو قذائف هاون، ومنحنا حرية العمل في هذا الفضاء”.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون الآن إن “التراخي في فرض المنطقة مكن حماس من اختراق السياج الحدودي في 7 تشرين الأول”.
في الأشهر التي سبقت الهجوم، أبلغت وحدات الحدود الإسرائيلية عن رؤية أشخاص يقتربون من الحاجز ومعهم خرائط، ويبدو أنهم يدرسونه بحثا عن نقاط الضعف.
ورفض الجيش الإسرائيلي تقديم مزيد من التفاصيل حول المنطقة العازلة، بما في ذلك عمق المنطقة التي يخطط لتطهيرها.
وفي تصريحات لموقع “الحرة”، كشفت وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، أن القوات الإسرائيلية تعمل بالمنطقة من أجل “منع نشاط حماس الذي يهدد مواطني إسرائيل”.
وكجزء من هذا، يقوم الجيش الإسرائيلي بتحديد وتدمير البنى التحتية الإرهابية الموجودة داخل المباني، من بين أمور أخرى، وفق وحدة المتحدثين.
وقالت إن إنشاء المنطقة العازلة “جزء من الإجراءات الحتمية اللازمة لتنفيذ خطة دفاعية من شأنها أن توفر أمنا أفضل في جنوب إسرائيل”، دون كشف المزيد من التفاصيل حول كونها “مؤقتة زو دائمة”.
ومن جانبه، قال كونريكوس إن ما يفهمه هو أن المنطقة ستمتد لمسافة تزيد قليلا عن نصف ميل من الحدود، أي أكثر من ضعف حجم المنطقة العازلة قبل الحرب، حسب “واشنطن بوست”.
وأضاف: “في بعض المناطق قد يكون أوسع، وفي بعض المناطق قد يكون أقل قليلا”.
وكان هناك ما مجموعه 2850 مبنى في المنطقة العازلة المخطط لها، وفقا لـ”قناة 12 الإسرائيلية”، وقد دمر الجيش الإسرائيلي بالفعل ما يقرب من 1100 مبنى.
ولم يتمكن موقع “الحرة” التأكد بشكل مستقل من صحة ذلك.
ويمارس المسؤولون الإسرائيليون ضغوطا من أجل إنشاء “منطقة عازلة موسعة” منذ بداية الحرب، مما يوفر طبقة عسكرية أخرى بين الجيب والكيبوتسات التي اجتاحها المسلحون.
وفي 18 تشرين الأول، قال وزير الخارجية، إيلي كوهين، لراديو الجيش الإسرائيلي:” في نهاية هذه الحرب، لن تظل حماس موجودة في غزة فحسب، بل ستنخفض أيضًا مساحة غزة”.
وبعد أيام قليلة، قال وزير الزراعة الإسرائيلي، آفي ديختر، وهو رئيس سابق للمخابرات، إن الخطة تهدف إلى “إنشاء منطقة لن يُسمح فيها لأي فلسطيني بالدخول إليها”.
مقاطع فيديو وصور الأقمار الاصطناعية
انتشرت منذ أشهر مقاطع فيديو لما يبدو أنه قوات تابعة للجيش الإسرائيلي تقوم بعمليات هدم مسيطر عليها للمباني، بعضها بالقرب من الحدود.
وفي مقطع فيديو تم نشره على الإنترنت في 12 كانون الأول، وتم التحقق منه بواسطة صحيفة “واشنطن بوست”، يمكن سماع الجنود الإسرائيليين وهم يصرخون ويصفقون أثناء تفجير مدرسة في شمال غزة.
وتقع المدرسة، التي قال الجيش الإسرائيلي إنها استخدمت كموقع استيطاني لحركة حماس “المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى”، على بعد حوالي ميل من السياج الحدودي.
وتُظهر صور الأقمار الاصطناعية بتاريخ 20 كانون الثاني الأضرار التي لحقت بالمدرسة والمباني المجاورة، خاصة في الشمال والشرق.
وفي فيديو آخر، يتم هدم حوالي 11 مبنى دفعة واحدة، وتظهر صور الأقمار الاصطناعية من Planet Labs المباني وقد سويت بالأرض بالكامل.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي على أسئلة صحيفة “واشنطن بوست”، حول مقاطع الفيديو أو ما إذا كانت عمليات الهدم مرتبطة بالمنطقة العازلة.
ولم يتمكن موقع “الحرة” من التأكد من صحة مقاطع الفيديو بشكل مستقل.
رد الولايات المتحدة
قالت الولايات المتحدة باستمرار إنه “لا ينبغي تقليص حجم الأراضي الفلسطينية بعد الحرب”.
وقال البيت الأبيض ردا على سؤال بشأن منطقة عازلة إسرائيلية محتملة: “لا نريد تقليص أراضي غزة بأي شكل”، وفق وكالة “رويترز”.
وفي كانون الأول، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر: “إذا كانت هناك أي منطقة عازلة مقترحة داخل غزة، فسيكون ذلك انتهاكًا لهذا المبدأ وهو أمر نعارضه”، بحسب “رويترز”.
وأبلغت إسرائيل الولايات المتحدة أن المنطقة العازلة التي يتم بناؤها داخل غزة ليست سوى مكان أمني مؤقت للقضاء على مواقع إطلاق النار التابعة لحماس بالقرب من الحدود، وفقًا لمسؤول أميركي تحدث لـ”واشنطن بوست”، بشرط عدم الكشف عن هويته.
وفي حديثه خلال زيارة إلى نيجيريا، الثلاثاء، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن الولايات المتحدة ترفض أي تغيير دائم للوضع الجغرافي لقطاع غزة.
وأضاف بلينكن للصحفيين في أبوجا بنيجيريا “إذا كانت هناك حاجة إلى ترتيبات انتقالية لجعل ذلك (حل الصراع) ممكنا، فهذا أمر (مختلف)، لكن عندما يتعلق الأمر بالوضع الدائم لغزة، فقد كنا واضحين وما زلنا بشأن رفض التعدي على أراضي (القطاع)”.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة كانت واضحة في “معارضتنا للتهجير القسري للأشخاص”، لكنه أضاف أنه من “الملائم” اتخاذ إجراءات أمنية حتى يتمكن الإسرائيليون من العودة إلى منازلهم في الجنوب”
ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق لـ”واشنطن بوست”، على ما إذا كانت المنطقة العازلة ستكون مؤقتة.
وقال كونريكوس إنه يتوقع أن يستمر “وجود المنطقة العازلة”، طالما كانت هناك جماعات مسلحة موجودة في غزة.
وقال مسؤولون في الجيش الإسرائيلي إن الحرب ضد حماس قد تستمر لسنوات.
تم تضمين مقاطع فيديو لجنود جيش الدفاع الإسرائيلي وهم يفجرون مساحات واسعة من المباني في غزة في الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا مؤخرًا إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي والتي اتهمت إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية”.
وقال المحامي الجنوب إفريقي تمبيكا نجكوكايتوبي: “حجم الدمار في غزة والاستهداف الجماعي لمنازل العائلات والمدنيين. كلها توضح أن نية الإبادة الجماعية مفهومة ويتم وضعها موضع التنفيذ”، في إشارة إلى مقطع فيديو يظهر 50 مبنى يتم تدميره، في منطقة الشجاعية الشرقية.
ونفت إسرائيل ما تقول إنها مزاعم “كاذبة ولا أساس لها” من جانب جنوب أفريقيا ودافعت عن عمليات الهدم باعتبارها ضرورية لتفكيك البنية التحتية لحماس.
وقال باسل الصوراني، مسؤول المناصرة الدولية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إن “ممتلكات المدنيين محمية بموجب القانون الإنساني الدولي”، بحسب “واشنطن بوست”.
وأضاف:” هذه المنازل فارغة، ولا يوجد أحد فيها. لماذا لا يقومون بهذه التفجيرات إلا ضمن خطتهم للتهجير القسري؟”.
وأشار الصوراني إلى أن “المنطقة العازلة التي أقامتها إسرائيل قبل الحرب كانت تشمل أكثر من 40 بالمئة من الأراضي الزراعية في غزة، مما منعت المزارعين من الوصول إلى حقولهم لأكثر من عقد من الزمن”.
وفي عام 2006، سمح اتفاق توسط فيه الصليب الأحمر الدولي للفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم، بحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وتسأل الصوراني : “الآن مع هذه المنطقة العازلة التي يبلغ طولها كيلومترا واحدا، وأنا متأكد من أنها أكثر من ذلك، فماذا سنفعل؟”.
وأكد أن مزرعة عائلته، التي تضم حوالي 10 آلاف شجرة زيتون وتقع على بعد حوالي ميل ونصف من الحدود، قد تم تجريفها بالفعل.
واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق في إسرائيل في السابع من تشرين الأول الذي أسفر عن مقتل 1200 شخصا، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل “القضاء على الحركة”، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 تشرين الأول، ما أسفر عن سقوط 25700 قتيل معظمهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة التابعة لحماس.