أظهرت بيانات الرادار المستندة إلى الاقمار الاصطناعية أن أكثر من 3100 مبنى في لبنان تعرضت للضرر أو الدمار نتيجة موجة الهجمات المكثفة التي شنتها إسرائيل، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1300 شخص منذ 20 أيلول، وفقًا لقياسات الرادار المقدمة إلى صحيفة “فايننشال تايمز”.
وذكرت وزارة الصحة اللبنانية أن الهجمات أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1336 شخصًا وتشريد أكثر من مليون شخص من منازلهم. وقد تجاوز عدد القتلى الناتج عن هذه الهجمات عدد قتلى حرب عام 2006، مما يجعل هذا الصراع الأكثر دموية في لبنان منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وقالت إيميلي تريب، مديرة مجموعة “إير وورز” لمراقبة النزاعات، إن شدة الحملة كانت غير مسبوقة، مشيرة إلى أن “مستوى كثافة الضربات وعدد الذخائر المستخدمة يفوق ما شهدناه سابقًا، ويشبه فقط ما يحدث في غزة”.
شنت القوات الجوية الإسرائيلية ما لا يقل عن 4600 هدف في لبنان بين 20 أيلول و2 تشرين الأول، أحيانًا أكثر من 1000 هدف في يوم واحد، بحسب منشورات على قناة “تليجرام” التابعة للجيش الإسرائيلي. ولم تستجب قوات الدفاع الإسرائيلية لطلب “فايننشال تايمز” للحصول على مزيد من التفاصيل حول هذه الأرقام.
تأتي هذه الحملة الجوية كجزء مما وصفته إسرائيل بمرحلة جديدة من الحرب، التي تهدف إلى تأمين شمال إسرائيل بما يكفي للسماح لـ60000 شخص نزحوا بسبب صواريخ حزب الله بالعودة إلى منازلهم. وأطلقت حزب الله قذائف صاروخية على إسرائيل وأطلقت صاروخًا باليستيًا نحو تل أبيب.
وأشارت تريب إلى أن حجم القصف الإسرائيلي تجاوز حتى أكثر الأيام كثافة خلال الحملة التي قادتها الولايات المتحدة في سوريا. وقالت: “في ذروة الحرب ضد داعش، تم استهداف حوالي 500 هدف يوميًا في آب 2017”.
وأضافت أن هذه الهجمات تسببت في معاناة كبيرة للمدنيين، مما دفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في سياساتها.
وما زالت التقارير الأولية غير كافية لتحديد عدد القتلى بين المدنيين أو مقاتلي حزب الله، وأكد وزير الصحة فراس أبيض، أن الغالبية العظمى من الضحايا الذين قتلوا في الهجمات الإسرائيلية يوم 23 أيلول كانوا “مدنيين غير مسلحين” في منازلهم.
تظهر البيانات أن ثلاث مناطق تعرضت للدمار الأكبر نتيجة الهجمات الإسرائيلية: الجنوب اللبناني، وادي البقاع، والضواحي الجنوبية لبيروت، التي تعتبر معاقل لحزب الله.
منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول، الذي أطلقت بعده حزب الله الصواريخ على إسرائيل تضامنًا مع المقاتلين الفلسطينيين، قصفت إسرائيل البنية التحتية في جنوب لبنان.
استهدفت الهجمات الإسرائيلية مواقع قالت إنها تابعة لحزب الله تُستخدم لتخزين وإطلاق صواريخ قصيرة المدى على المدن الإسرائيلية. ويعتقد أن حزب الله قام بحفر شبكة من الأنفاق في المنطقة الحدودية.
استيقظ سكان جنوب لبنان في 23 أيلول على أصوات مئات الغارات الجوية، مما دفع مئات الآلاف إلى الفرار شمالًا، وأصدرت القوات الإسرائيلية عدة أوامر إخلاء للمدنيين في القرى الجنوبية، مطالبة إياهم بالانتقال شمال نهر الليطاني لتجنب الهجمات الجوية والبرية.
وتظهر البيانات زيادة حادة في الهجمات منذ 20 أيلول، مع تدمير أو تضرر ما لا يقل عن 530 مبنى في عشرات البلدات.
وامتدت الهجمات إلى ما وراء المناطق الحدودية، حيث شنت إسرائيل هجمات جوية على مناطق داخلية أبعد، مما تسبب في نزوح الآلاف من الأشخاص باتجاه بيروت، مضاعفة عدد سكان العاصمة بين عشية وضحاها.
أحد الأمثلة على ذلك هو بلدة كفر سير، التي تقع شمال خط الإخلاء الإسرائيلي، حيث تعرضت 80 مبنى لأضرار خلال أسبوعين، وقالت الحكومة اللبنانية إن البلدة تعرضت لهجوم جوي مرة واحدة على الأقل في 26 أيلول.
تضررت أو دُمرت 210 مباني على الأقل في وادي البقاع، المنطقة الزراعية الرئيسية في لبنان، بحسب بيانات الرادار، ومع أن الرادار قد يقدّر الأضرار بشكل أقل في بعض المناطق الريفية، إلا أن العديد من الضربات استهدفت مواقع عسكرية صغيرة لا تظهر في البيانات.
في 27 أيلول، قُتل الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في غارة جوية إسرائيلية استهدفت مجمعًا سكنيًا في الضاحية الجنوبية لبيروت، وذكرت إسرائيل أن نصرالله كان في اجتماع مع مسؤولين كبار في حزب الله في مخبأ تحت الأرض.
تشير صور الموقع إلى وجود حفرة كبيرة مغطاة بأنقاض المباني الشاهقة التي كانت موجودة سابقًا، وتعرضت الضاحية الجنوبية لهجمات مكثفة خلال الأسبوعين الماضيين، حيث تضرر أو دُمّر 380 مبنى منذ 20 أيلول.
وأصدرت القوات الإسرائيلية أوامر إخلاء لسكان الضاحية الجنوبية في 27 أيلول، محذرة من استهداف المباني التي تنوي ضربها، وأظهرت الصور من الأرض تدميرًا واسعًا في المنطقة، حيث تم تدمير عشرات المباني بالكامل.
حذرت إيميلي تريب من أن القصف في المناطق المكتظة بالسكان سيؤدي حتمًا إلى سقوط ضحايا مدنيين، وقالت: “حتى باستخدام أدق الأسلحة في العالم في المناطق المكتظة، لا يزال التأثير على المدنيين كبيرًا”، وأسفرت الهجمات في لبنان بين 16 و27 أيلول عن مقتل 87 طفلًا على الأقل، وفقًا للسلطات.
في منطقة بيروت الكبرى، تضرر أو دُمر حوالي 630 مبنى خلال الأسبوعين الماضيين، معظمها في المناطق المجاورة للضاحية الجنوبية.
وقد فر العديد من سكان الضاحية الجنوبية هذا الأسبوع إلى مأوى مؤقت، أو توجهوا للبقاء مع عائلاتهم وأصدقائهم، أو اضطروا للنوم في الشوارع.
وفي الضاحية، رأت “فايننشال تايمز” الشوارع شبه فارغة، وقد دمرت الضربات الجوية العديد من المباني السكنية التي كانت قائمة هناك.
وقد سويت بعض المجمعات السكنية بالأرض، وكانت بعضها مرتبطة بمكاتب حزب الله، بما في ذلك منشآت مدنية، ورغم أن الضاحية الجنوبية تُعتبر معقلًا رئيسيًا لحزب الله، إلا أنها تضم أيضًا سكانًا من طوائف أخرى.
وقال أحد سكان الضاحية، الذي فر إلى مأوى غير رسمي في وسط بيروت: “الضاحية أصبحت مدينة أشباح. لم أعد أستطيع التعرف عليها، أتساءل ماذا سيبقى منها بعد انتهاء هذا كله”.