يحتفل اللبنانيون اليوم بعيد الميلاد المجيد في اجواء يغلب عليها الحذر من تطورات الاوضاع الامنية في الجنوب التي شهدت امس تصعيدا جديدا للعمليات بين حزب الله واسرائيل.
وعمليا بات كل شيء مجمّدا وعالقا حتى مطلع السنة الجديدة في انتظار ترجمة صدقية ما يتردَّد عن تحركات او وساطات او مبادرات داخلية وخارجية لم تُثبت حيالها بعد أي جدية، علماً أنّ الكلام الكثير الذي تردَّد عن تحرك ما منتظر لرئيس مجلس النواب نبيه بري بعد الميلاد ورأس السنة في شأن الأزمة الرئاسية لا يزال كما تبيَّن في إطار التمنيات اكثر منه في اطار معطيات ثابتة ومؤكدة.
وفي إطار المواقف من الوضع في غزة، وربط الواقع الميداني في الجنوب بهذه الحرب، كان ثمة موقف بارز جديد للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس عاد فيه الى التركيز على موضوع حياد لبنان.
وممّا قال في عظته عشية عيد الميلاد: “ندين أشدّ الإدانة كلّ حرب، على الأخصّ هذه الحرب الإباديّة الوحشيّة الدائرة على سكّان غزّة، الرافضة لأي هدنة، وأي وقف للنار وللتفاهم. ونرفض رفضًا قاطعًا تداعياتها أو امتدادها على قرى جنوب لبنان. ونقول باسمنا وباسم كلّ لبنانيّ: لا للحرب . كفانا حربًا أوصلت لبنان إلى ما هو عليه اليوم من إنحطاط وبؤس وخسارات على كلّ صعيد. ليس لبنان أرضًا للحرب أو أداة لها، بل هو أرضٌ للحوار والسلام”.
وأضاف: “في سياق امتداد الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزّة، إلى جنوب لبنان خلافًا لقرار مجلس الأمن 1701، ووقوع ضحايا لبنانيّة، وهدم منازل، واتلاف بساتين وأحراش، وتهجير أهلنا هناك، نعود فنكرّر وجوب عودة لبنان إلى ذاته، أي إلى حياده الإيجابيّ الناشط في رسالته، كأرض للتلاقي والحوار، وكصاحب دور في حلّ النزاعات بالطرق السلميّة، وكمدافع بالطرق الديبلوماسيّة عن الحقوق المسلوبة في أي بلد عربيّ، وفي طليعتها حقوق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه، وبإقرار دولة خاصّة به. ليس حياد لبنان أمرًا جديدًا أو ابتكارًا. بل هو من صميم هويّته. فيرقى إلى سنة 1860، زمن المتصرّفيّة، فإلى ما قبل إعلان دولة لبنان الكبير بشهرين، وتحديدًا في 10 تمّوز 1920، إذ أعلنه مجلس إدارة المتصرّفيّة “حيادًا سياسيًّا بحيث لا يحارِب ولا يحارَب، ويكون بمعزلٍ عن أيّ تدخّل حربيّ. ثمّ تكرّس الحباد في الميثاق الوطنيّ (سنة 1943) بحيث “ينعم لبنان بالإستقلال التام عن الدول الغربيّة والعربيّة. فلا وصاية ولا حماية، ولا امتياز، ولا مركزًا ممتازًا لأيّ دولة من الدول …” (الشيخ بشارة الخوري). ومذ ذاك الحين ظهر “الحياد” أو “التحييد” في جميع البيانات الوزاريّة. ويجد حياد لبنان جذوره أيضًا في ميثاق جامعة الدول العربيّة سنة 1945، وفي مجمل أعمالها الإعداديّة ومداخلات اللبنانيّن. فكان الإجماع على ان يكون “لبنان دولة مساندة لا دولة مواجهة”، وأن يكون لبنان عنصر تضامن بين العرب، وليس عامل تفكيك وتغذية للنزاعات العربيّة، وخروجًا عن التضامن العربيّ لصالح استرتيجيّات لا تخدم المصالح العربيّة المشتركة”. ثمّ كان “بيان بعبدا” في 11 حزيران 2012 الذي وافقت عليه بالإجماع الكتل السياسيّة مؤكّدًا حياد لبنان بتعبير “النأي بالنفس”، واعتمده مجلس الأمن من بين وثائقه (A/66/849, S2012/477). وفي 19 آذار 2015، طالب الفئات اللبنانيّة بتطبيقه نصًّا وروحًا (راجع دراسة البرفسور أنطوان مسرّة: التزام حياد لبنان في إطار جامعة الدول العربيّة)”.
وفي تصريح لقناة “الجديد”، شدّد البطريرك الراعي على أنه “يجب تطبيق القرار 1701 كي نتجنب تداعيات الحرب على غزة، وكي لا نعطي إسرائيل ذريعة حتى تدخل إلى لبنان” معتبرا أن “المطلوب هو اليقظة لنحمي أنفسنا”. وأشارإلى أن “حرب إسرائيل على غزة غايتها قتل القضية الفلسطينية، ونحن ننادي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وحل الدولتين الذي ترفضه إسرائيل” لافتا إلى أن “هناك خوفًا على لبنان إذا بقينا في هذه السطحية”.
وفي الملف الرئاسي، رأى الراعي أن “عدم إنتخاب رئيس للجمهورية في لبنان جرم تتفاقم معه الأزمات والحقّ ليس على الموارنة بل على المجلس النيابي” مضيفًا: “كان يجب على البرلمان استكمال جلسات الانتخاب لحين وصول إما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أو قائد الجيش العماد جوزف عون إلى الرئاسة” .
وقال: “الأسماء موجودة وكلن أسماء مرتبة وليس مسموحاً عدم إنتخاب رئيس للجمهورية، والمجلس النيابي أصبح هيئة إنتخابية لا يمكنه أن يّشرع، والحكومة هي حكومة تصريف أعمال لها حدود”.