نشرت منصة “بلينكس” الإماراتية تقريراً تحت عنوان: “في غياب المخزون الاستراتيجي.. هل خبز اللبنانيين مهدد؟”، وجاء فيه:
في ظلّ التوترات القائمة عند حدود لبنان الجنوبية منذ 8 تشرين الأول الماضي، واحتمال اندلاع حربٍ بين حزب الله وإسرائيل، يواجه لبنان أزمة خفيّة على صعيد إستيراد القمح، لاسيما أنّ الإهراءات المُخصصة للتخزين في مرفأ بيروت ما زالت مُدمّرة إثر إنفجار الـ 4 من آب 2020.
ويحتاج لبنان نحو 600 ألف طُن من القمح سنوياً، بجانب ما يستهلكه النازحون السوريون والذي يقدّر بـ 400 ألف ربطة خبز يومياً، أي بمعدل 40 أو 50% من القمح الذي يدخل لبنان.
ورغم أن القمح يصل إلى لبنان بشكل مُستمر عبر البواخر حتى الآن، إلا أن عدم وجود إهراءات يُفقد لبنان مخزوناً استراتيجياً من هذه المادة.. فما هي العوائق التي قد تجعل لبنان غير قادر على توفير الخبز، خصوصاً في حال اندلاع حرب؟ وهل هناك حالياً أزمة طحين؟
“لا مخزون إستراتيجيّ”
يقول نقيب أصحاب الأفران في جبل لبنان أنطوان سيف لـ”بلينكس” إنه لا مخزون إستراتيجيّ من القمح في لبنان، مُعتبراً أنّ أساس الأزمة يكمن هنا، ويضيف: “إهراءات القمح التي كانت موجودة في مرفأ بيروت كانت تُعتبر أساسية لمخزون إستراتيجي يجب أن يمدّ البلاد بالقمح لمدة سنة على الأقل، لكنّ هذا الأمر بات غير متوافرٍ الآن وسط عدم وجود أيّ بديلٍ عن تلك الإهراءات”.
سيف يلفت إلى أنّ التّحذيرات كثيرة في هذا الإطار، وسط الحديث عن إمكانية اندلاع حرب، ويقول: “في حال واجهنا هذا السيناريو، فإننا نؤكد وبكل أسف أنه لا مخزون من القمحِ لدى لبنان للصمود، وعندها سنشهد على أزمة رغيف، وقد وضعنا المعنيين في الدولة أمام مسؤولياتهم في هذا الإطار”.
أين يُخزّن القمح حالياً؟
في الوقت الرّاهن، يُخزّن القمح ضمن 12 مطحنة أساسيّة في لبنان، وفور وصوله إلى مرفأ بيروت، يتم تحميله مباشرة عبر الشاحنات إلى تلك الأماكن. هناك، تتمّ عملية التوضيب والاستخدام الفوري للقمح من أجل تلبية احتياجات البلاد من الخبز يومياً.
بالنسبة لسيف، فإنَّ هذه العملية هي الوحيدة المتوافرة والمتاحة في لبنان حالياً، لكنها لا تنفي ضرورة وجود إهراءات للتخزين الإستراتيجي.
كم يكفي مخزون القمح المتوافر؟
إنطلاقاً من قدرة المطاحن على التخزين، يكشف سيف لـ”بلينكس” أنّ المخزون المتوافر من القمح لا يكفي البلاد سوى لشهرين.
في حديثه، يوضح سيف أيضاً أن الاستيراد يجري بشكل مستمر كي لا يهبط مستوى ذاك المخزون فجأة، وحتى لا تحصل أزمة قد تحصل في أي لحظة.
من جهتها، تقول مصادر في وزارة الإقتصاد لـ”بلينكس” إن الحديث عن إمكانية نشوب أزمة هو عارٍ من الصحة، موضحة أنّ “القمح متوفر والوزارة تسعى عبر آليات تنظيمية إلى ضبط السوق ووضع حدّ لكل العابثين بالأمن الغذائي للبنانيين”.
هل الإهراءات ضرورية حقاً؟
الباحث في شركة “الدولية للمعلومات” المعنية بالإحصاءات محمد شمس الدين يرى أنّه لا حاجة لدى لبنان لبناء إهراءات قمح كتلك التي كانت موجودة سابقاً في مرفأ بيروت، معتبراً في حديث لـ”بلينكس” أنّ المخزون يصل إلى المطاحن فوراً، وبالتالي يُخزن ويُوزع في مكان إستخدامه، ويسأل: “إذاً، لماذا نتحدث عن إهراءات وتكلفة بناء لا داعي لها؟”.
بالنسبة لشمس الدين، فإنه لا أزمة على صعيد الخبز طالما أنَّ القمح متوافر لدى المطاحن، ويقول: “من الذي حسم أن القمح هو أساس الغذاء في لبنان؟ التهويل مستمر وطيلة السنوات الماضية لم يكن لدينا أصلاً أي مخزون من القمح”.
ما قاله شمس الدين أكده الباحث في معهد “دراسات السوق” كرابيد فكراجيان الذي قال لـ”بلينكس” إنه من الجيد عدم وجود مركزية على صعيد تخزين القمح في لبنان، مشيراً إلى أنّ اللامركزية في هذا الإطار مطلوبة.
ويوضح “في حال حصول حرب، القمح سيكون موزعاً وبالتالي إن حصل إستهداف لإهراء معين، فإن المخزون لن يتأثر، كما أن هناك قدرة أيضاً على توسيع نقاط التخزين وعدم الكشف عن أماكنها”.
إشكالية أخرى
يلفت فكراجيان إلى أن هناك مشكلة أخرى ترتبط بالخبز وتتعلق بتحديد سعره من قبل الدولة التي ما زالت تعمل على دعم الطحين مالياً، معتبراً أن المسألة المطروحة تُساهم في تشكيل الأزمة وتعزيزها، ويضيف: “فليجر تحرير السعر وليُفتح باب التنافس وليُصبح إستيراد القمح مسموحاً للجميع مثلما يحصل مع باقي المواد الغذائية. ما المشكلة في ذلك؟ عندها ينتفي الحديث عن أزمة يجري التهويل بها باستمرار”.
خبزُ لبنان.. بالأرقام
يكشف شمس الدين إنَّ الدولة اللبنانية صرفت خلال عامين وحتى 31 تموز 2023 أكثر من 130 مليون دولاراً على القمح، وقد موّلت شراء هذه المادة من حقوق السحب الخاصة بلبنان، وهي أموال ومُخصصات للدولة جرى منحها من صندوق النقد الدولي عام 2021.
حالياً، فإنّ الخبز ما زال يُباع بالليرة ويصل سعر “الربطة الواحدة” إلى 60 ألف ليرة أي ما يناهز الـ66 سنتاً إستناداً لسعر دولار 90 ألف ليرة.
وفي كل فترة يجري رفع سعر الخبز ارتباطاً بقيمة الدولار في السوق وتبعاً لكلفة الإستيراد، علماً أن الدولة لم توقف دعمها للخبز حتى الآن وهي تنفي مراراً حصول ذلك.
وخلال الفترة الماضية، حصل لبنان على قرضٍ من البنك الدولي لشراء القمح بقيمة 150 مليون دولار، علماً أن حاجة لبنان من القمح تُقدر سنوياً بـ600 ألف طُن. كذلك، يقول وزير الإقتصاد أمين سلام في تصريحات سابقة إن النازحين السوريين في لبنان يستهلكون 400 ألف ربطة يومياً، أي بمعدل 40 أو 50% من القمح الذي يدخل لبنان.
بدوره، قال وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجارفي تصريحات ماضية أيضاً أنّ “لبنان يدعم النازحين السوريين بـ 9 مليون دولار شهرياً كثمن للخبز”.
(بلينكس -blinx)